واعتبرها البعض الاخر "ثورة مضادة" هدفها القضاء علي كل معالمها ومنجزاتها، مشيرين إلي أن الثورة قدمت حزمة من القوانين المهمة التي غيرت معالم التاريخ المصري المعاصر، وأصبحت نواة أساسية لبعض المطالب الشعبية التي ترتكز حول فكرة المواطنة والحق في المساواة، لافتين إلي أن الثورة أحدثت حراكا اجتماعيا غير مسبوق. في سياق هذا التحقيق يتحدث الكتاب والمفكرون والمثقفون ليجيبوا عن السؤال التالي: ما الذي بقي من يوليو؟ أحمد حمروش رئيس اللجنة المصرية للتضامن يقول: إن ثورة يوليو ما زالت باقية ومستمرة، وأكبر دليل علي ذلك، أن مصر تحتفل بها كعيد قومي لها، والثورة وإن كانت بدأت كحركة عسكرية، إلا أنها قوبلت بتأييد شعبي جارف، لأنها جاءت معبرة تعبيراً صادقاً عن هموم وآمال جموع الشعب المصري، وانجازاتها التي مازالت باقية حتي الآن عديدة منها: انهاء الاحتلال الإنجليزي وإقامة النظام الجمهوري الذي مكن المصريين من حكم أنفسهم لأول مرة منذ زمن الفراعنة. وأضاف حمروش الذي كان ضمن مجموعة الضباط الأحرار: "كما أصدرت الثورة قانون الإصلاح الزراعي، بما أحدثه من تغييرات اجتماعية شاملة، وعادت توزيع الثورة علي كل الفئات، واستطاعت أن تكسر احتكار السلاح الغربي، وتنشئ جيشاً وطنياً قوياً، قادراً علي الدفاع عن تراب الوطن كما خلقت مكانة إقليمية ودولية عظيمة لمصر، أهلتها للقيام بدور مهم عربيا وعالمياً، وكل ذلك يجعل الثورة باقية، رغم أنف الذين يحاولون طمس منجزاتها، فما نراه الآن من بيع القطاع العام، وتقليص دور مصر العربي والدولي، يجد مقاومة شديدة من كل فئات الشعب التي آمنت بالثورة والدور العظيم الذي قامت به. د. رءوف عباس أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، يقول: لم يبق من ثورة يوليو الكثير.. فمكانة مصر الدولية التي تحققت بفضل الثورة، تآكلت، ولم يعد لها الدور الذي نرجوه.. وحتي علي المستوي الإفريقي، نجد أن الرئيس الليبي "معمر القذافي" أصبح زعيماً أفريقيا، وليس أحداً اخر، كما كانت الحال في زمن الثورة، والرئيس السادات، قام بإجراء تغييرات متعمدة للقضاء علي انجازات الثورة، فمنذ بداية سياسة الانفتاح الاقتصادي، تدهور دور القطاع العام، وتآكلت مجانية التعليم، وانهار مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم والتوظيف، ولم يتبق من منجزات الثورة علي المستوي الداخلي سوي نسبة ال 50 % عمال وفلاحين، وهذه أيضاً هناك محاولات للانقضاض عليها، ورغم كل ذلك مازالت الثورة بانجازاتها موجودة في الوجدان الشعبي. د.عمرو الشوبكي الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يقول: إن أهم ما تبقي من الثورة هو فكرة المواطنة والحق في المساواة، فالثورة أحدثت حراكا اجتماعيا وغير مسبوق في مصر، وأصبح في مقدور ابن الفلاح، وابن "الفراش" أن يكون وزيراً، والمواطن المصري أصبح، لأول مرة، يدفع ضريبتين: الأولي هي "ضربية الدم" ، بعد أن سمح له بالتجنيد والدفاع عن الوطن، دون النظر إلي ديانته، سواء كان مسلما أو مسيحياً، بالإضافة إلي ضريبة المال. وأضاف أنه لا شك أن هناك هجمة مضادة علي منجزات الثورة، بدأت منذ عهد الرئيس السادات، فيما سمي ب "الثورة المضادة" والتي اتخذت شكلا دعائيا منظما، تموله أمريكا وبعض دول الخليج، وإننا بدفاعنا عن الثورة ومنجزاتها، لا ندافع عن أشخاص، بل ندافع عن الوطن والمواطن والأمن القومي المصري.. وإنصاف ثورة 32 يوليو واجب علي كل الأجيال. د. نبيل لوقا بباوي عضو مجلس الشوري، يقول: إن ثورة يوليو جزء مهم من تاريخ مصر، لا يستطيع أحد أن يمحوه، وقد أحدثت الثورة مجموعة من التغييرات السياسية والاجتماعية والثقافية والسياسية، أهم ما يربط بينها أنها جاءت في مصلحة الطبقة الوسطي الصغيرة، والطبقات الكادحة من العمال والفلاحين. وأكد أننا نستطيع أن نسمي ثورة يوليو.. بثورة "الطبقة الوسطي الصغيرة"، وأخطر ما حدث في مصر في ربع القرن الأخير، هو ما أصاب هذه الطبقة من انهيار تسببت فيه سياسة الانفتاح التي انتهجها الرئيس السادات، ونجد الآن أن هذه الطبقة قد "تفسخت"، وانعدمت حالة "الستر" التي كانت تعيش فيها، وأصبحت في أمس الحاجة إلي تدبير احتياجاتها الرئيسية من مأكل وملبس وعلاج يعكس ما كانت عليه قبل سياسة الانفتاح، والمظاهرات التي شهدتها البلاد مؤخراً، هي خير دليل علي انهيار هذه الطبقة، واحساسها بعدم الأمان. ولا شك أن هذه الطبقة تعد بمثابة العمود الفقري للمجتمع، وبدونها لن تقوم لمصر قائمة. ويقول الكاتب سلامة أحمد سلامة: ما تركته ثورة يوليو هو الكثير من الأفكار والمبادئ التي أصبحت جزءا من الوجدان المصري، ولا يمكن أن ننكر أنها أحدثت تغييرات جذرية في العقل والوجدان المصري، وخلقت نوعا من المثاليات والأهداف العليا، التي نتمني تحقيقها، ولكنها لا تزال تراود أحلام المصريين جميعا، وأن وبعض مكتسبات الثورة ضاعت "زحمة" المؤثرات الداخلية والخارجية، ولكن كل طبقات الشعب أيقنت أن لها حقوقاً يجب أن تدافع عنها، وبالفعل استطاعت بعض هذه الطبقات أن تحصل علي جزء من هذه الحقوق، مضيفاً أن الثورة خلقت إحساسا لدي الشعب المصري، بأنه متساو أمام القانون، وقد تكون الثورة لم تبذل المجهود الكافي لوضع الديمقراطية موضع التنفيذ، ولكن حلم الديمقراطية الذي بدأته الثورة، لا يزال يعيش في وجدان الشعب المصري. يقول د. علي الدين هلال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: حققت ثورة يوليو عددا من مبادئها التي قامت من أجلها، وعلي رأسها القضاء علي الاستعمار، وإقامة النظام الجمهوري، ومازلنا نعيش هذه المنجزات حتي الآن، وكانت الثورة القيادة الحقيقية لاستقلال الدول العربية والافريقية، التي لم تكن قد حصلت علي استقلالها بعد في عام 1952، واستطاعت الثورة تأميم قناة السويس واعادتها لأصحابها الشرعيين، كما حققت مجانية التعليم ومبدأ تكافؤ الفرص، وساهمت في بناء صرح الحضارة والفنون، وأحدثت نهضة مسرحية وسينمائية لم تشهدها البلاد من قبل، وساهم في ذلك بناء أكاديمية الفنون، التي ساهمت بدورها في التنوير بشكل عام، والثورة . وإن كانت لم تنجح في تحقيق الوحدة العربية، لكنها نجحت في تعميم الفكرة ، ونشر عقيدة القومية العربية، وأكدت إمكانية قيام الوحدة. د. وحيد عبد المجيد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يقول: يبقي من ثورة يوليو نظامها السياسي القائم علي دور جوهري لحزب واحد، رغم التعددية الشكلية، مدعوما بسيطرة كاملة للأجهزة العسكرية والأمنية، بما تضعه من قيود عديدة علي الحريات العامة، وتقليص لدور البرلمان، وهو ما يمكن السلطة التنفيذية من استخدام جميع الوسائل لتدعيم بقائها، سواء باستبعاد من تريد في الانتخابات العامة أو من أرقي المناصب الرئيسية في الدولة. وأكد أن هذا النظام أخضع المجتمع كله لسيطرة سياسية وأمنية حديدية، بما يجور علي فكرة حكم القانون والحريات العامة المدنية والسياسية.. ورغم كل ذلك.. فاللافت للنظر بقاء مظاهر عديدة من منجزات الثورة، خاصة في مجال العدالة الاجتماعية مثل مجانية التعليم نظرياً علي الأقل وتقديم الخدمات الصحية بأسعار رمزية، وكذلك نظام المعاشات والتأمينات الاجتماعية، وكذلك التوسع في تعيين الخريجين، رغم عدم الحاجة لذلك، وهو ما يعتبر دعماً مستتراً ومقنعا للطبقات الفقيرة في المجتم