ولد لأسرة بسيطة الحال في قرية طوخ الأقلام إحدي قري السنبلاوين بمحافظة الدقهلية.. والده كان أول من حصل علي التعليم الأزهري في قريته فصار معلمًا في المعاهد الدينية فأحد شيوخ الأزهر الشريف وأخيرًا رئيسًا للبعوث الإسلامية وتتلمذ علي يديه الإمام محمد متولي الشعراوي. هكذا تحدث العالم فاروق الباز عن والده قائلاً: والدي كان عروبيًا بكل المعاني، وأذكر من الصغر اهتمامه البالغ بمشكلة فلسطين وشعوره الفياض تجاه الشعب الفلسطيني. وقد أثر ذلك علي أبنائه جميعًا، ولذلك فإن أخي الأكبر أسامة الذي تبحر في العلوم السياسية والشئون الدولية يعرفه الناس جميعًا بأنه المصدر الموثوق للعرب في كل مكان وخاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية. كان والدي رحمه الله يقرأ علي الدوام ويعامله الكتاب وكأنه تميمة لابد من الحفاظ عليها. كانت مكتبته بأبواب زجاج حتي لا تصل الأتربة إلي الكتب. وعندما يأخذ منها كتابًا ليقرأ لنا قسطًا منه كان يحمله بكل رفق واحترام. وإلي يومنا هذا مازلت أفعل ما رأيته يفعل. معظم قراءات الوالد كانت في أصول الدين والرياضيات وتاريخ الإسلام والمسلمين. ولم يكن يأخذ شيئًا كما هو، ولكنه كان دائم الفكر نشيط العقل سريع البديهة يستطيع أن يحلل ما قرأ ويحدد محاسنه ومساوئه. أهم ما تركه فينا جميعًا هو الاهتمام بأن «إذا قام أحدكم بعمل فعليه أن يجيده» ولا أذكر أنه أوضح لنا الصعاب التي واجهته فكان يحدث والدتي عنها دون علمنا. لكن علي سبيل المثال فقد كنا نقطن في بيت قريب من منشآت عسكرية أصابتها طائرات معادية أثناء حرب 1956 وأول ما حصل هو اهتزاز جدار المنزل. انزعج والدي وقال «البيت يرقص... والعيال؟» ولم شملنا جميعًا للسفر إلي القرية بعيدًا عما أزعجه. وتتلمذ والدي بالأزهر الشريف بالقاهرة وكان ذلك في وقته يتطلب 16 سنة!! بعد تخرجه عمل معلما في المعاهد الدينية في الزقازيق ثم في دمياط ثم أصبح شيخًا للمعهد الديني في شبين الكوم ثم انتقل إلي إدارة الأزهر وعلم هناك (من طلبته عندئذ الشيخ المرحوم محمد متولي الشعراوي). وفي آخر مراحله كان رئيسًا للبعوث الإسلامية بالأزهر الشريف. وكان والدي كريمًا للغاية يدعو أصدقاءه أو زملاءه في العمل للغداء أو العشاء أو المبيت في منزلنا علي الدوام. أثبتت مقابلاتي لأي من علماء الأزهر القدامي بعد أن توفي والدي في عام 1960 أن صداقاته كانت متعددة لأنهم جميعًا أكنوا له كل حب واحترام وتبجيل. وكنا نقضي عطلة الصيف في قرية طوخ الأقلام بمركز السنبلاوين بالقرب من مدينة المنصورة في محافظة الدقهلية وفي سنوات دمياط كنا نقضي كثيرًا من الوقت في مصيف رأس البر. أما الأعياد فكنت أقضيها مع أصدقائي من المسلمين والأقباط لأنني كنت أحتفي مع الجميع بأعيادهم وهذا جزء من المعاملة الطيبة للناس جميعًا. ولم ينتظر منا والدي النجاح فقط بل التفوق، ولم يعط أيا منا هدايا لمجرد النجاح علي الإطلاق، كانت ابتسامته العريضة ورضاه الذي عبر عنه ببضع كلمات هو ما نأمله عند التفوق.