لا يمر يوم إلا ونقرأ بعض الأخبار ذات الحس الفكاهي.. وهي أخبار حقيقية في العديد من الأحوال، ولكن بسبب طرافتها.. نشك في صحتها.. خاصة لو كانت تحمل معلومات تخص قضايا مهمة أو مشروعات ضخمة. ينطبق علي ذلك.. ما نشرته جريدة "الأهالي" يوم الأربعاء الماضي تحت عنوان (بعد أكثر من 40 عاماً: وزارة الكهرباء لم تفك الشفرات الخاصة بتوربينات السد العالي. والخبراء الروس لديهم كلمة السر دون النظر إلي جهة التمويل). ويؤكد الخبر أن جميع الأعمال الخاصة بالسد العالي ينفذها خبراء وشركات روسية. انتهي الخبر.. وتبقي تداعياته التي تترك انطباعات غير إيجابية، ومنها أن نشر هذا الخبر يعني أمرين لكل من يقرأه.. الأول أننا منذ بناء السد العالي منذ ما يقرب من 40 عاماً لا زلنا كما نحن.. لم نتعلم إدارة توربينات السد وصيانته، ولم تتراكم لدينا الخبرة المهنية المفترض اكتسابها طيلة هذه السنوات في التعامل مع التوربينات، ولسنا مؤهلين لمثل هذا العمل لتشغيله بشكل كامل سواء من خلال التدريب أو التخصص. أما الأمر الثاني، وهو ما يلفت الانتباه في حالة صحة هذه المعلومة.. أنها تعني بشكل مباشر أن (رقبتنا) في يد الخبراء الروس الذين يملكون كلمة السر ويملكون خبرة التشغيل والصيانة. وهو موضوع يستحق التعليق عليه من السيد وزير الكهرباء. وبعيداً عن هذا الأمر، من الواضح أن المجتمع المصري قد بدأ يفقد العديد من الفنيين المتخصصين المهرة في عملهم.. وهو ما نلحظه في مجال النجارة والصرف الصحي وتركيب السيراميك وتركيب الدش. وتحولت هذه المهن المتخصصة إلي وجود جيل من الهواة الذين يتميزون (بالفهلوة) للنصب علي طالب الخدمة والحصول علي أكبر قدر ممكن من المال منه.. بغض النظر عن جودة العمل. لقد حدث نوع من التفريغ المهني للمجتمع المصري، وهو ما نعاني منه في بعض المجالات التي أصبحت محط سخرية رغم أن عائدها مرتفع جداً علي غرار: جليسات الأطفال وكبار السن ومرضي المنازل، أو خادمات المنازل، أو سائقي السيارات الخاصة. وهو تفريغ تحول إلي نوع من ازدراء هذه المهن التي يمكن اكتساب العمل في غالبيتها بسهولة شديدة من خلال تدريب أولي متخصص لا يتجاوز ثلاثة أيام علي أقصي تقدير. تزداد البطالة، ولكن يرفض شبابنا العمل في مثل تلك المهن التي ذكرتها.. يقبلون علي السفر أو علي الهجرة غير الشرعية ليعملوا في محطات بنزين أو بائعي جرائد ومجلات أو في غسيل أواني المطاعم.. إنها الكارثة الكبري التي ترتب عليها الانفتاح الإعلامي غير الملتزم وطنياً واجتماعياً.. هذا الإعلام الخاص الموجه الذي استطاع خلال فترة وجيزة جداً أن يشكك في كل مقومات الدولة المصرية بركائزها وإنجازاتها. إنها حقاً مأساة..