ومات الدكتور نصر حامد أبو زيد، أستاذ جامعة وباحث جاد وأشهر ضحية فكرية في المنطقة العربية وذلك عندما أصدرت عليه المحاكم المصرية حكما بالتفريق بينه وبين زوجته وهو الحكم الذي لم يحدث من قبل ولم يحدث من بعد، ما أقسي أن يصدر علي إنسان يعمل أستاذا في الجامعة، حكم قضائي نهائي بات يطعنه في دينه، أو يجرده من دينه، الحكم غامض، لم يقل إنه كافر أو ملحد بل حكم بالتفريق بينه وبين زوجته المسلمة بما يعني أنه لا يحق له أن يكون زوجا لمسلمة، هذا هو بالضبط ما سيفهمه أي متطرف وبذلك كان الرجل عرضة للقتل في الشارع أو في الجامعة أو في أي مكان، ما أكثر القتلة والجلادين في بلادنا. هكذا تم الحكم عليه بعقوبة أخري لم يذكرها الحكم صراحة وهي الفزع والألم والضياع، هكذا استحالت عليه الحياة في مصر ولم يبق أمامه سوي مغادرة البلاد ليواصل أبحاثه في جامعات بلاد غير المسلمين بعد أن ترك لنا جميعا إحساسا قويا بالقهر والتعاسة لعجزنا عن حمايته أو الدفاع عنه. وبعد سنوات من عمله في هولندا كان يجيء إلي مصر في زيارات قصيرة، غير أن أعداءه ظلوا يقظين ينتظرون فرصة أخري للهجوم عليه،ثم نجحوا في ذلك عندما طيرت وكالات الأنباء خبرا بأن سلطات الأمن في مطار الكويت منعته من دخول البلاد وأعادته إلي مصر علي نفس الطائرة بالرغم من حصوله علي تأشيرة دخول صحيحة. وكأنه مجرم يطارده الانتربول أو كأنه مواطن فاقد الحيثية نهب بنوك بلاده أو سرق مواطنيه. أنا أعتقد أن لحظات وجوده في مطار الكويت قبل عودته مثلت نقطة فارقة في حياته، لقد فكّر كثيرا في مشوار حياته وفي المعارك التي خاضها إلي أن توصل ببراهين عقلية أمدته بها حالة الاكتئاب أنه لا جدوي ولا معني لهذه الحياة فقرر أن يموت، في أحيان كثيرة يكون الموت قرارا اختياريا، هكذا استولي عليه المرض الذي أسلمه إلي الموت. يكفي أن تستولي عليه فكرة أنه مفكر إسلامي محروم من حرية التفكير إلا في البلاد التي لا يسكنها المسلمون. لم أكتب من قبل عن إنسان توفاه الله مهما بلغت درجة قربه مني، بالنسبة لي هذا أمر صعب للغاية، لم أكن قريبا من الدكتور نصر حامد أبوزيد أو أنتمي إلي جيله كما أنني بعيد تمام البعد عن طبيعة الأفكار التي كان يتناولها كباحث، غير أنني أكتب عنه كوسيلة لمقاومة الاكتئاب، أكتب للإفلات من موجة تعاسة عاتية هاجمتني عندما قرأت علي الشاشة الصغيرة خبر وفاته، أكتب عنه لأنه تجسيد واقعي لمدي الظلم الذي من الممكن أن يحيق بإنسان لمجرد أنه يفكر بشكل مختلف عن زملائه، أو عن التفكير السائد في الشارع، هذه الحكاية المؤلمة من أولها لآخرها بدأت بتقرير من أستاذ جامعي مكلف بقراءة أعماله لتقييمها، فقرأها لينتهي إلي أن صاحب البحث أنكر ما هو معروف من الدين بالضرورة بعدها حدثت قضية الحسبة الشهيرة. وبالمناسبة، نفس الأستاذ كان يعمل مستشارا شرعيا للريان ،عندما اكتشف الناس أن فلوسهم ضاعت هجموا بالآلاف علي مقر الشركة بالهرم، لقد شاهدته بالصدفة علي الشاشة الصغيرة وهو يهدئ الناس : هذا اقتصاد إسلامي.. فلوسكم كلها مودعة عند الله .. وهل الفلوس تضيع عند الله سبحانه وتعالي؟ الواقع أن الفلوس كانت مودعة عند الريان وليس عند الله سبحانه وتعالي، هذا هو الرجل صاحب القضية.. قضية نصر حامد أبو زيد.