ليس هناك أي تناقض بين أن تقدم الإمتاع البصري والابهار ومؤثرات الصوت والصورة والكمبيوتر جنبا إلي جنب مع السيناريو المتماسك الذي يقول المعادلة. فيلم «IROM MAM2» هو أحد النماذج علي ما نقول، فالعمل هو الجزء الثاني الذي يتعرض لمغامرات الرجل الحديدي التي قدمها «ستان لو» في قصته من عالم الكوميكس حيث مستودع الخيال غير المحدود، وفي حين كان الجزء الأول بسيطا ولطيفا ومقبولا، فإن الجزء الثاني يبدو مشوشا وصغيرا حيث لا يتوافر الحد الأدني من التماسك أو تقديم الشخصيات وإدارة الصراع بطريقة مشوقة. لن يفلح حشد النجوم والنجمات من البطل «روبرت داوني» بحضوره وخفة ظله إلي «دان شيدان» و«صامويل جاكسون» إلي «ميكي رورك» والجميلتين «جونيث بالترو» و«سكارليت جوهانسون» في سد الثغرات ولا في قهر الشعور بملل المشاهدة طوال أكثر من ساعتين في فيلم يمكن تكثيف أحداثه في مدة أقل، حتي مشاهد الحركة الخارقة لم تعد فتحا يستأهل الصمود حتي النهاية في ظل منافسة العديد من أبطال الكوميكس، الذين يطيرون في الفضاء ويغوصون في أعماق المياه، ويقدمون ما هو أكثر تسلية وإبهارا. مشكلة «الرجل الحديدي» في جزئه الأول في السيناريو الذي كتبه «جوستين نيروكس» لم أكن أحلم بأن يقول أشياء أعمق عن بطله المنقذ الذي لا يمكن الاستغناء عنه، ولكني كنت أتوقع أن يجيب عن تساؤلات كثيرة لا إجابة لها، وأن يقدم ملامح شخصياته بأقل قدر من المعلومات يتيح لك أن تتجاوب مع ما تراه، ما قدمه السيناريو مجرد قصاقيص من هنا وهناك لا تصنع لوحة واحدة متكاملة. المعروف بالطبع أن حكايات الكوميكس الشهيرة مثل الرجل الحديدي و«سوبر مان» و«بات مان» «وسبايدر مان» كلها تدور حول البطل المخلص الذي لا بديل عنه، هو شخصية أهل للثقة مثالية تنتمي أحيانا إلي عالم آخر مع ما يحمله ذلك من دلالات وإسقاطات. عندما يغيب هذا البطل تحدث الكوارث ومع عودته يتم الإنقاذ والخلاص. الرجل الحديدي في جزئه الثاني يسير في اتجاهين لا يشبع أيا منهما حيث تتسع الثغرات في الخطين معا، هناك أولا الصراع بين الرجل الحديدي صاحب المصنع الضخم «توني ستارك» (روبرت داوني) وبين الكونجرس الأمريكي الذي يريد الاستحواذ علي البدلة الحديدية التي ابتكرها لأنها سلاح خطير لا ينبغي أن يمتلكه فرد واحد بل لابد أن يكون تحت سيطرة الجيش الأمريكي. وهناك ثانيا: الصراع بين الرجل الحديدي الأمريكي «إيفان» العالم الروسي الذي يريد أن يستغل فكرة البدلات الحديدية لأسباب تجارية، ويملك أيضا رغبة في الانتقام من الرجل الحديدي لأسباب قديمة ترجع لفترة الستينيات! في كلا الاتجاهين اختطلت السذاجة بالسطحية رغم أن الخطين كان يمكنهما أن يقدما لنا فيلما معقولا، لن تعرف أبدا لماذا أصر ستارك الشاب علي أن يكشف أمام الجميع أنه هو الرجل الحديدي الذي ينقذ الجميع! وستندهش أكثر عندما تعرف أنه أصر علي إفشاء السر الذي عرضه لضغوط الكونجرس رغم أنه - أي ستارك - علي وشك الموت بسبب تأثيرات عنصر «البلاديوم» المكون للبدلة التي يلبسها علي جسده. وفي جلسة تعقدها إحدي لجان الكونجرس العسكرية سيكون مبرر «ستارك» للاحتفاظ بالبدلة هو أنه شخص مصدر ثقة سبق أن أنقذ مواطنيه، ويقدم - في المقابل - مشاهد للدول التي تعتبرها أمريكا مصدر خطر، وهي تحديدا «الصين» و«إيران» و«كوريا الشمالية»، تؤكد هذه المشاهد أن تلك الدول تحاول إنتاج بدلة حديدية مشابهة ولكن ذلك لن يتم قبل عشر سنوات. الأكثر من ذلك أن «ستارك» يحصل علي شهادة مساندة من الكولونيل «جيمس رودز» للاحتفاظ بالبدلة، والمشكلة في كل ذلك أن «ستارك» الذي تزيد نسبة السموم في جسده يفترض أن يكون حريصا علي تسليم سلاحه لا الاحتفاظ به، والمفترض أن الكونجرس يجب أن يصر علي موقفه في استعادة البدلة لأن قيام دول أخري بتجارب مشابهة يعني أن سباقا قد بدأ ولا سبيل لوقفه، ويعني ذلك أيضًا أكذوبة الشعار الذي يردده «الرجل الحديدي» في معرض تنظمه شركته العملاقة من أنه حقق السلام العالمي، وعلي حد تعبيره قام بخصخصة السلام العالمي. لم يدرك كاتب السيناريو الساذج أن الصراع علي البدلة الحديدية وكثرة التجارب حولها يهدم المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه بطولة «ستارك».. الحقيقة أن السطحية ستكون عنوان مسار الأحداث كلها وليس هذه النقطة، لأنك ستجد الكولونيل «رودز» الذي دافع وشهد إلي جانب «ستارك» يقوم في المشاهد التالية بسرقة بدلته الحديدية بعد أن تزعزت ثقته في الرجل الحديدي الأصلي! علي الجانب الآخر، لا تعرف بالضبط كيف يمكن الثقة في «ستارك» وهو يتصرف بمنتهي الخفة، ويقيم الحفلات التي يفقد فيها توازنه كأنه يحاول توديع الحياة قبل أن يغادرها، بل إنه يتنازل عن رئاسة مجلس إدارة شركته للموظفة المجتهدة «فيريجينيا بيربوتس» التي لا تعرف بالضبط سرّ إعجابها ب«ستارك» ولا طبيعة علاقتها به. في البداية تبدو مجرد موظفة تقوم بواجبها، ولكن لابد في النهاية أن تعجب به وتقبله قُبلة النهاية مع أن عيون الرجل اتجهت إلي الحسناء «ناتالي» (سكارليت جوهانسون) التي سنكتشف فيما بعد دورها في إنقاذ «ستارك» من خطورة المادة المصنوع منها البدلة الحديدية. طبعا لا تنتظر إلا خطوطا عامة للشخصيات مثل أفلام الكارتون السطحية. المهم في النهاية أن تلعب المرأتان الدور الأهم في إنقاذ الرجل الذي يفترض أن تعتمد عليه أمريكا في إنقاذ نفسها من الأخطار. علي المسار الثاني وهو الصراع الأساسي في الفيلم بين الأمريكي «ستارك» والروسي «إيفان» تبدو الحكاية كلها «بايتة» ومستوردة من زمن الحرب الباردة البائد، ولأنه لا يوجد صراع بين «روسيا» و«أمريكا» فإن دوافع «إيفان» تبدو شخصية تماما حيث كان والده يعمل مع والد «ستارك» في ابتكارات تكنولوجية، ولكن الأب الروسي أراد استغلال الأمر لأسباب تجارية، وهرب من أمريكا ليعود إلي وطنه، ويحاول «إيفان» أن يبتكر هو أيضًا بدلة حديدية، كما يحاول الانتقام من «ستارك» في أثناء مشاركة الأخير في سباق موناكو للسيارات، وشخصية «إيفان فانكو» كما قدمها «ميكي رورك» بهيئته وملابسه وصوته وبالوشم الذي يغطي ذراعيه تبدو كما لو كانت تجسيدًا لأحد رجال المافيا الروسية وليس لعالم ابن عالم. والأعجب أن هيئة الرجل وشراسته تغطي نموذجًا «غلبان» تمامًا للرجل الشرير. ففي أول مواجهة مع «ستارك» يتم السيطرة علي العالم الروسي والقبض عليه حتي يتآمر «جاستون هامر» - وهو صاحب شركة أسلحة أمريكي - لاخراجه، والاستعانة به لتطوير بدل حديدية متفجرة يمكن توجهيها من بعد. والسيد «هامر» - أيضًا يغار من «ستارك»، ويريد أيضًا أن يغيظه في معرض خاص يقدم فيه أحدث ابتكاراته من الأسلحة والبدل الحديدية، ولا أعرف بالضبط كيف يمكن الادعاء بتحقيق السلام إذا كان كل شخص تقريبًا يريد امتلاك بدلة حديدية وأسلحة لأسباب شخصية أو عامة أو عدوانية! ولكن الرجل الحديدي يقترب من الموت، ويأتي الحل ساذجًا بأن يعود إلي شريط سينمائي تركه والده الذي كان يؤمن بأن التكنولوجيا ستجعل الإنسان أكثر سعادة، ومن خلال هذا الشريط يبتكر «ستارك» عنصرًا جديدًا لبدلة جديدة بدلاً من تلك البدلة التي كادت تقضي عليه، وينجح أخيرًا في هزيمة الروسي الأحمق للمرة الثانية، والغريب أن الأخير يردد دائمًا مخاطبًا «ستارك»: لقد خسرت! ولا شك أنه أحد أضعف أشرار أفلام «الكوميكس»، وضعف الشرير وسذاجته لا يعني سوي ضعف بطولة الرجل المنقذ وهزال إنجازه. وهكذا ينتهي فيلم آخر سخيف يؤيد فكرة المخلص المنقذ ولكن يسند تنفيذها لشخص كان علي وشك الموت. فيلم يقول إن التكنولوجيا تصنع المعجزات، وهي بالفعل يمكن أن تحقق ذلك، ولكنها لا تستطيع أبدًا أن تجعل الفيلم الصغير كبيرًا لمجرد أن فيه خدعًا ومؤثرات وبدلة حديدية وامرأة باذخة الحسن واسمها «سكارليت جوهانسون»!