انتهت الأحد الماضي امتحانات الثانوية العامة وخلال أيام الامتحانات لاحظت وقرأت وسمعت عن شكاوي كثيرة من صعوبة بعض الأسئلة والحقيقة إنه لا يوجد شيء في العملية التعليمية لا يمكن أن ننتقده ونسجل عليه ملاحظاتنا المستندة إلي الخبرة التعليمية الطويلة ومما لا شك فيه أن هناك نقاط ضعف كثيرة في هذه المنظومة ليس فقط في مصر ولكن في بلاد عدة قد يبدو بعضها متقدماً نوعا ما. ومع هذا فأنا علي يقين تام أن امتحانات الثانوية العامة في مصر ليست من بين نقاط الضعف التي نتحدث عنها رغم ما يستتبعها سنويا من صرخات وإغماءات من الطلاب وأولياء الأمور ذلك لأنك لو قلت لي إن المناهج التي تدرس في المرحلة الثانوية ضعيفة أو لا تواكب نظيرتها في دول أخري حتي قريبة منا أو قلت لي إن المدرسين ليسوا علي المستوي المطلوب من الكفاءة والتأهيل التربوي أو إن المدارس لا تساعد علي الإبداع العلمي بسبب تكدس الفصول بها لقلت ربما يصح كل هذا. لكن عندما تقول إن امتحانات الثانوية العامة عندنا صعبة وتخلق ارتباكاً وتوترات سنوية في الدولة فإنني أقول إن الارتباك يحدث بلا شك ليس بسبب صعوبة الامتحانات ولكن بسبب الخطأ في فهم طبيعة الامتحانات الذي تستند فكرته الأساسية علي التقييم والتصنيف وهذا الأمر لن يتأتي إلا بوضع أسئلة صعبة يمكنها فرز الطلاب وتصنيف مستواهم العلمي. وأعتقد أنني أثير دهشة كل من يقرأ هذه الكلمات عندما أقول إن من أساسيات الامتحانات في ألمانيا التي درست وتربيت بها أن تكون هناك أسئلة من خارج المناهج التي يدرسها الطلاب في المدارس هذا النوع من الأسئلة من أهم معايير التميز هناك كما أنه مما يثير الدهشة أيضا أن بعض الأنظمة التعليمية في أوروبا لا تجد في الإجابة علي الامتحانات - حتي لو كانت صعبة - أمرا جيدا علي اعتبار أن الطالب تلقي المعلومة من الكتب الدراسية ويختبر فيها نهاية العام ولا تري في ذلك فائدة لأن الطالب من وجهة نظرها يمكنه الحصول علي هذه المعلومة من الكتب كلما أرادها، أما التعليم الجيد فمعياره أن يتوصل الطالب إلي نتيجة جديدة أو معلومة لم تكن متاحة من قبل. ولأن الهدف الحقيقي من التعليم هو الكشف عن قدرات المتعلم وتعرف مدي مساهته في المجتمع والمجال الذي يجيد فيه فإن من حق المعلم أن يصل إلي هذه النتيجة بأي شكل كان حتي لو اضطره الأمر إلي أن يختبره ليس فقط فيما هو خارج المنهج ولكن فيما هو خارج المادة العلمية محل الاختبار للتأكد من أن المتعلم بإمكانه استنباط معلومة جديدة لم تكن لديه ودون تدريس سابق لها وهو ما يكشف سرعة البديهة وشدة الفضول العلمي لدي الطلاب المميزين.