كتبت بالأمس عن طلاب الصف السابع الأمريكيين الذين قاموا باكتشاف وجود كهف علي سطح كوكب المريخ.. وكيف أن طلاباً صغاراً لا تتعدي أعمارهم الثالثة عشرة يمكنهم اكتشاف ما لم يكتشفه علماء ناسا الذين يقومون بالإشراف علي هؤلاء الطلاب في مشروعهم البحثي الذي قاد لتلك النتيجة المبهرة.. ووراء هذا الإنجاز التعليمي إيمان بلا حدود، وتمويل بلا قيود من جانب المجتمع نحو هؤلاء الطلاب.. كما أن وراءه أيضا جرأة مدروسة، ورغبة محسوسة لدي هؤلاء الطلاب نحو العلم ونحو أنفسهم ومجتمعهم.. وكنا نتساءل أين نحن من هذا؟ وهل أبناؤنا من هذه الأجيال من الطلاب في مراحل التعليم المختلفة بخير، أم لا؟ وهل هناك ما يجعل الأجيال الأحدث أكثر قدرة علي الابتكار والاكتشاف من الأجيال الموجودة حاليا؟ وهل هناك طرق لإصلاح ما فسد؟ أم نستبدل الطلاب بآخرين؟ وتكمن مشكلة الطلاب عندنا في نوعين من الخلل: أولهما الحفظ والتلقين الذي يهدم كل فكر ابتكاري أو محاولة استكشافية ويقضي علي الخيال لأنه لا يعترف بالجديد ويأخذ فقط بالمنقول.. ومشكلة هذا النوع من الخلل أنه قد تراكم جيلا بعد جيل وأصبح مقدار النقل والحفظ هو المقياس الأول - بل قل الأوحد - للنجاح والتفوق الدراسي في نظامنا التعليمي.. مما أضاف إلي صعوبة محو هذا الخلل لأنه حتي امتحاناتنا قد خلت من الأسئلة التي تقيس أية مهارات أخري عدا الحفظ.. ويا ويل من يضع سؤالا يقيس به القدرة علي النقد أو التحليل أو التفكير أو الاستنتاج المنطقي!! والخلل الثاني هو تقديس الكتب الدراسية وتجريم الخروج عن النص.. وهي مصيبة تجعل أولادنا يعتقدون أن العلم قد حصر في الكتاب المدرسي وأن مقياس الحصول علي العلم هو معرفة هذا الكتاب فقط واجتياز الامتحان الذي لا يمكن الخروج فيه عن نص الكتاب وإلا.. حتي عندما نطلب أبحاثا من الطلاب يتطوع بعض المعلمين تيسيرا علي الطلاب ومحوا لقدراتهم علي البحث باقتراح إعداد البحث من الكتاب المدرسي!! ونتيجة لهاتين العقيدتين الثابتتين في عقول الطلاب والمعلمين والآباء يصبح الهم الأكبر هو أن تجد مدرسا خصوصيا متمكنا يساعد علي محو التفكير عند الأبناء لأنه يستطيع (أن يقفل لهم المنهج ويشربهم كل أسئلة الامتحانات السابقة والحالية والتي ستأتي).. والمشكلة ليست محو ملكة التفكير فقط بل محو شخصية التلميذ بكاملها.. فهو متغرب تماما عن القصد الرئيسي للتعليم، وهو متغرب عن ملكاته الشخصية ونقاط قوته وضعفه، وهو لا يعلم اتجاهاته المميزة، ولا يعلم أصلا لماذا يجب عليه أن يذهب للامتحان ويلقي ما حفظه في ورقة الإجابة ثم يعود وقد نسي كل شيء.. الحل إذن هو قياس ملكات أخري غير الحفظ، والخروج عن نصوص الكتاب المدرسي لقياس الاستيعاب الحقيقي ومقدار المعرفة الصحيحة لدي الطالب.. ولكن مع الأخذ في الاعتبار ألا تكون هذه الصحوة خاصة بالامتحانات فقط.. أو بامتحانات مرحلة بعينها فقط.. بل تكون هي السياسة العامة للتعليم قبل الامتحانات، ولكل المراحل وكل الامتحانات دون استثناء.. معني هذا أننا نستطيع أن نحول مسار التعليم وأن نخضع الطلاب لهذا الفكر الجديد، ونصلح دون أن نبحث عن بدلاء من الطلاب.. ولكن هذا يقود إلي سؤال حتمي: هل يستطيع القائمون علي التعليم تنفيذ تلك السياسة؟ وللحديث بقية..