ألقي الدكتور فاروق الباز؛ العالم المصري الكبير ومدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن، محاضرة بعنوان «تجربة ناسا: رحلة القمر ودراسة المريخ»، وذلك في إطار سلسلة محاضرات المؤتمر العشرين للجمعية الدولية للقباب السماوية IPS 2010، والذي تنظمه مكتبة الإسكندرية تحت عنوان: «الإسكندرية مهد علم الفلك»، في الفترة من 27 إلي 30 يونيو. وحث الدكتور فاروق الباز العلماء علي الاستفادة من التجربة الناجحة لمشروع أبولو التابع لوكالة ناسا بالولايات المتحدةالأمريكية، والذي استهدف وصول وهبوط البشر علي سطح القمر، مؤكداً أن أبولو هو من أعظم الإنجازات البشرية وأبرز مثال علي إمكانية نجاح المشروعات العلمية لأنه اعتمد علي تحقيق هدف معين تم تحديده منذ البدء في المشروع، وهو الذهاب إلي القمر، والعودة إلي الأرض، والتحضير للمهمة خلال عشر سنوات، مع توفير الأدوات والتمويل اللازم لتحقيق هذا الهدف. وتحدث عن أهم التحديات التي يواجهها العالم في مجال العلوم والفضاء في المستقبل، ومنها ظاهرة الحمم الشمسية، وهو التحدي الذي يواجه العلماء في الفترة الحالية والذي يجب أن يفكر الإنسان في آثاره في الأعوام المقبلة. وأشار إلي أن الدراسات قد أثبتت أن الدورة الشمسية ستكون أكثر كثافة في المرات المقبلة مما سيؤثر علي الحمم الشمسية وهي طاقة وإشعاع هائل سينطلق من الشمس ويؤثر علي الأرض والنظم الكهربائية الخاصة بها. وعن مهمة وصول الإنسان إلي كوكب المريخ، قال العالم المصري إن هذه المهمة تجول في أذهان العلماء والباحثين منذ سنوات لسبب مهم هو أن كوكب المريخ يمكن أن يدعم الحياة البشرية عليه لأنه يحتوي علي الثلج الذي يمكن أن يتحول إلي مياه، كما أنه يحتوي علي غلاف جوي مما يمكن الإنسان من التواجد به لفترة طويلة. وأضاف أن جهود العلماء في الوصول إلي المريخ يواجهها بعض العقبات ومنها أن رحلة الوصول إلي المريخ تستغرق من ستة إلي تسعة أشهر باستخدام التكنولوجيا الحالية، ولذلك يجب التوصل في خلال الأعوام المقبلة إلي وسيلة تنقل مختلفة للوصول إلي المريخ في فترة زمنية أقل ودعم احتياجات رواد الفضاء من الأكسجين والطعام. وأكد الباز أن المعرفة المتزايدة عن خصائص القمر والتي تم التوصل إليها من خلال مشروع أبولو تم استخدامها بشكل فعال في معرفة تاريخ الأرض وخصائص كوكب الأرض، فإن عمر القمر وكوكب الأرض يقدر ب 4.6 بليون عام تقريباً ولذلك يعتقد أنهما تشاركا نفس الخصائص إلي أن بدأ التغير الجيولوجي للأرض ليصبح القمر أقدم من أي شيء علي الأرض، مما يمكنا من تعلم تاريخها. وأوضح أن رواد مشروع أبولو قد نجحوا في الهبوط علي سطح القمر والتقاط الصور وأخذ عينات من السطح وما تحت السطح بقليل بواسطة الحفر، مما أعطي فكرة عن الصور والسطح والغطاء الخارجي للقمر. وأشار إلي أن المشروع أدي إلي اكتشاف خصائص جيولوجية لطبقات متعددة ظهر فيها البازلت والألمنيوم والكريستال، مؤكداً أن كل تلك الاكتشافات قد كونت فكرة عن تكوين الصخور وتطورها علي القمر، وفتحت المجال للتفكير في الأرض ودراسة تاريخ كوكب الأرض. وأشار إلي أن اكتشافات الإنسان لخصائص ومعالم القمر قد فتحت بوابة جديدة للبحوث العلمية في المستقبل، حيث يقوم العلماء الآن بدراسة مستقبل استخدام المصادر القمرية وإمكانية استخدام المياه علي القمر، بعد أن توصلت الأبحاث إلي وجود ثلج علي القمر، ليس في شكله المعروف بل في شكل حبيبات صغيرة تمتزج مع تربة القمر. . وأضاف أن كوكب المريخ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأرض، فهو قريب جداً منها ولازال يتغير جيولوجياً مثلها، وقد أدي هذا الارتباط إلي اكتشاف العلاقة والسمات المشتركة بينهما من خلال الأبحاث العلمية في وكالة ناسا وهو الأمر الذي تم تطبيقه لتوضيح التشابه بين المريخ وصحراء الجزء الجنوبي الغربي في مصر.. وأشار إلي أنه بدراسة صور المريخ تم اكتشاف حفر ونقاط سوداء اللون وآثار رماد بركاني متأثر بنشاط الرياح، كما أظهرت الدراسات التي تمت لدراسة طبيعة اللون الأحمر علي كوكب المريخ أنه كلما تم الابتعاد عن مصدر الرمال يكون اللون أكثر حمرة. وأكد أن الكتل الرملية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة التي تم تصويرها في المريخ، تم العثور علي مثيلتها في صحراء مصر الغربية، ولذلك فإن ما نعرفه عن المريخ يمكن ربطه بالصحراء الغربية في مصر لتشابه التدرج الجيولوجي الذي مرت به تلك المناطق. وأكد الباز أن العالم لا يمكنه إغفال المساهمات المصرية والعربية في مجال علوم الفضاء، فإن الإنجاز الكبير الذي حققه الإنسان في الصعود إلي القمر لم يكن ليتحقق بدون انجازات عدد هائل من العلماء المسلمين، فقد مثلت مساهمات العلماء مثل جابر ابن حيان وأبو الفداء والبيروني الأسس العلمية السليمة التي اعتمد عليها العالم في تطوير علوم الفضاء إلي يومنا هذا.. وأشار إلي أنه حرص علي ربط الثقافة المصرية والعربية بالانجازات التي توصل إليها العلماء خلال مشروع أبولو، فقد حمل رواد الفضاء سورة الفاتحة معهم أثناء رحلتهم إلي القمر، كما تمت تسمية أحد معالم كوكب المريخ باسم «القاهرة».. وفي الختام، أكد الباز أن شحنة الأمل التي يتمتع بها في حياته وعمله تأتي من كهرباء مصرية خالصة، مشيراً إلي أنه يؤمن بعبقرية العقول المصرية الشابة، التي يمكن أن تقود مصر إلي النهضة والتقدم العلمي بالتعليم وحصولها علي الدعم الذي تستحقه.