قرأت خبرا عن طلاب الصف السابع الأمريكي أي ما يوازي الصف الأول الإعدادي عندنا.. ويقول الخبر إن 16 طالبا في إحدي مدارس كاليفورنيا اكتشفوا وجود كهف علي سطح كوكب المريخ!! والجدير بالذكر أن الكهف لم يكن معروفاً وجوده من قبل وأن الطلاب الصغار هم أول من اكتشفوه عن طريق الصور التي التقطتها وكالة ناسا للفضاء وأعطت بعضها لهؤلاء الطلاب المشتركين في برنامج للعلوم يشمل إدراجهم في مشروع بحثي! نعم طلاب الصف الأول الإعدادي في مشروع بحثي!! وبقراءة تفاصيل الخبر يتضح أن كل مجموعة من الطلاب ينبغي أن تقوم بدراسة صور ناسا وتضع سؤالا بحثيا وتحاول الإجابة عنه من خلال البحث وتطبيق النظريات بل وطلب تصوير إضافي لتعزيز البحث والوصول إلي نتائج.. ومن هنا ودون أية مقاصد خفية أو مقارنات مع طلاب الصف الأول الإعدادي عندنا، هناك بعض الملاحظات: أولها عدم الاستهانة بأعمار هؤلاء الطلاب ولا بإمكانياتهم العقلية والبحثية من جانب القائمين علي التعليم من ناحية، ومؤسسات الدولة من ناحية أخري.. فوكالة ناسا - بحالها، ومالها، وعلمائها، وأجهزتها الإدارية - تستجيب لمطالب هؤلاء الصغار، وتأخذها بجدية، وتؤمن بما توصلوا إليه وتساعدهم علي مواصلة البحث.. ثانيا: التمويل، وهو ليس أولا لأن الإيمان بالأطفال يأتي أولا ثم يأتي تمويل العملية التعليمية ثانيا.. إذا آمنا بأبنائنا وقدراتهم وإمكانية تقدم المستقبل الكائنة فيهم سوف نقبل علي تمويل التعليم والبحث، وسنجد ما يكفي هذا الأمر بأية طريقة مهما كانت العوائق. ثالثا: الجرأة التي يتميز بها هؤلاء العلماء الصغار ناتجة عن الثقة بالنفس التي تتولد بداخلهم كنتيجة حتمية لإيمان المجتمع بهم.. ومن ثم تعتمد جرأتهم في الاكتشاف علي محورين أساسيين: أولهما الخيال الجامح الذي ينشأ مع بداية التعليم المنزلي وقبل المدرسة ويشجع علي الابتكار بلا حدود.. والمحور الثاني هو الأساس العلمي الصحيح الذي يضبط الخيال في إطار الاستنتاج العلمي السليم.. ومن خلال هذه الجرأة يستطيعون استنتاج أن البقعة السوداء هي عبارة عن فتحة صغيرة، وأن هذا يعني أن تحتها كهفا. ورابعا: وجود الرغبة الشديدة والحماس لدي هؤلاء الصغار لاكتشاف الجديد، والقيام بالبحث والاستكشاف، ودخول التحدي، ثم الخوض فيه، والصبر علي العقبات إلي أن يتم اجتيازها، والوصول إلي نتيجة جديدة.. هذه الرغبة التي تجمع فريقا من 16 صغيرا وصغيرة وتجعلهم يتناغمون في عمل بحثي جماعي يتطلع إلي العالم لا الأرضي بل الكوني، هي رغبة في الحياة، والاتصال بالعالم، واستشراف المستقبل، هي رغبة في التواصل مع الآخر، والبعد عن الذاتية والآنية. عودة إلينا وإلي طلابنا وأبنائنا.. هم فقدوا كثيرا من إيمانهم بذواتهم لأننا لا نثق بقدراتهم، وابتعدوا عن البحث لأننا نضغط عليهم بالحفظ، وتركوا الاكتشاف لأنهم اعتادوا النقل، وتمحوروا حول ذواتهم غير عابئين بمن حولهم لأن المجتمع همَّشهم ولم يهتم بآرائهم، وخيالهم، ورغباتهم، وإمكانياتهم.. هل أبناؤنا بخير؟ وكل شيء تمام؟ أم نحتاج إلي بحث هذا الأمر وإجابة السؤال: نصلحهم، أم؟ وللحديث بقية..