انتخابات النواب 2025| ننشر نتائج الحصر العددي في جولة الإعادة بجميع دوائر قنا    برقية تهنئة من مجلس النواب للرئيس السيسي بمناسبة العام الميلادي الجديد    التعليم العالي تستجيب ل 9600 شكوى وطلب خلال عام 2025    تجديد حبس عاطل بتهمة التحرش بسيدتين وترويعهما بكلب في السلام    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة الشهيد مارجرجس بأجا    أسعار الأسماك اليوم الإثنين 29 ديسمبر في سوق العبور للجملة    رئيس جيبوتي يستقبل كامل الوزير وممثلي شركات القطاع العام والخاص المصري    وزير التموين ومحافظ الجيزة يفتتحان سوق «اليوم الواحد» بفيصل| صور    أمم أفريقيا 2025.. موعد مباراة مالي وجزر القمر والقنوات الناقلة    "شباب البحيرة" تنظم برنامجا تدريبيا لتعليم أعمال الخياطة والتريكو    استمرار هطول الأمطار على الإسكندرية والمحافظة تعلن حالة الطوارئ    6 خطوات أساسية لتأمين الحسابات وحماية الهواتف الهاكر    مديرية الصحة فى كفر الشيخ تُصدر نشرة توعية بطرق الوقاية من الأنفلونزا    الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكر    سوريا.. دوي انفجار غامض في محيط حي المزة بدمشق وسط صمت رسمي    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    شهيد الشهامة.. شاب يفقد حياته خلال محاولة إنقاذ شخصين من الغرق    لأولى ثانوي.. التعليم تعقد امتحانا عمليا فى مادة البرمجة للتيرم الأول غدا    نشر أسماء 8 مصابين في حادث انقلاب سيارة بالسادات في المنوفية    من المسرح القومي.. خالد محروس يعيد حكاية صلاح جاهين للأجيال الجديدة    طفرة تاريخية فى صادرات الملابس لتتجاوز 3 مليارات دولار لأول مرة فى التاريخ    الزمالك لليوم السابع: تطبيق لائحة الغياب على محمود بنتايج بعد إنذار فسخ العقد    موعد مباراة المغرب وزامبيا في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    "القاهرة الإخبارية" تكشف آخر تطورات دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة    مناورات صينية واسعة تطوّق تايوان    إصابة 7 من الشرطة التركية في اشتباك مع مسلحين من تنظيم داعش    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 29 ديسمبر 2025    "الصحة" تعلن خطة 903 قوافل طبية مجانية للنصف الأول من 2026    قضايا الدولة تنعى المستشارة سهام صبري الأنصاري    الصين: نعارض أي محاولة لتقسيم الأراضي الصومالية    عودة المياه عن بعض المناطق التي بها ضعف بمركزي ابنوب والفتح بأسيوط    التحقيقات تكشف مفاجآت فى واقعة الهروب الجماعى من مصحة الجيزة    حظك اليوم الاثنين 29 ديسمبر.. وتوقعات الأبراج    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    طبيب روسي يحذر: انخفاض ضغط الدم خطر بعد التعافي من الإنفلونزا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29 ديسمبر 2025 في القاهرة وعدد من المحافظات    تباين أداء مؤشرات الأسهم اليابانية في الجلسة الصباحية    طارق الشناوي: المباشرة أفقدت فيلم «الملحد» متعته ولم يُعوِّض الإبداع ضعف السيناريو    مئات الالاف في غزة يرتجفون بردا والصقيع يقتل الأطفال في الخيام    متحدث الوزراء: الحكومة تحاول تقديم أفضل الخدمات لمحدودي ومتوسطي الدخل وفق الموارد المتاحة    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    وائل جسار وهاني شاكر يشعلان أبوظبي بليلة طربية نادرة في يناير    وداع موجع في كواليس التصوير... حمزة العيلي يفقد جده والحزن يرافقه في «حكاية نرجس»    أحمد عبد الله محمود يكشف ملامح شخصيته في «علي كلاي»    وزير الخارجية: مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية والتهجير خط أحمر    نتيجة الحصر العددى للأصوات بالدائرة الثامنة دار السلام سوهاج    مباحث العبور تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حريق مخزن كراتين البيض    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    حسم التأهل مبكرًا.. مصر ونيجيريا والجزائر إلى دور ال16 من أمم أفريقيا 2025    طاهر أبو زيد: مكاسب حسام حسن مع المنتخب إنجاز رغم الظروف.. والمرحلة المقبلة أصعب    لا رب لهذه الأسرة    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرأي العام (3)

في كتابها عن الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز تشير كلير كولبروك إلي الفصل الذي اهتم دولوز بتأكيده بين الأدب والفن والفلسفة من ناحية والحياة اليومية والثقافات الشعبية من ناحية أخري. لقد اعتبر دولوز أن النموذج الذي يتفق عموم الناس علي اتباعه في الحياة اليومية والثقافات الشعبية هو نموذج التمثيل والرأي، فالناس يتصورون أن العالم الخارجي يمكن فهمه وتمثيله والإحالة إليه باستخدام مفاهيم جاهزة وثابتة ومتفق عليها الهدف منها الوصول لحالة من الإجماع وشكل من أشكال التواصل وتبادل المعلومات. والثقافات الشعبية أيضا رسخت لأهمية التعبير عن الرأي بأشكال تصل أحيانا لحدود العبث والهستيريا لتأكيد حضور الذات في العالم بأقل مجهود ممكن وبممارسة ضغوط جماعية مكشوفة سلفا لفرض الرأي وتقوية شوكة صاحبه.
الأمر مختلف عندما نتحدث عن الأدب والفن والفلسفة، لأن أنساق الأدب والفن والفلسفة تهتم ب"خلق" المفاهيم وليس بتأكيد ودعم الآراء العامة. تلك الأنساق لا تخضع بحال للرأي حتي لو كان رأي الأغلبية، ولا يمكن تداولها باعتبارها وسائل حياة تصلح للاستخدام اليومي.
المفاهيم الفلسفية هي شكل من أشكال الإبداع، لا تخضع للتمثيل والمحاكاة، وتأثيرها يعود مباشرة علي الفن والأدب. لو تعلم الإنسان طرق التفكير ومسالكه وصولا لإنتاج فن أو فلسفة، لاستطاع خلق وإبداع مفاهيم جديدة من شأنها بمرور الوقت التأثير علي الرأي وتوجيهه. لكن قضية الدور والتأثير الاجتماعي قضية أخري، لا يجب أن تشغل الفنان والفيلسوف عن مهمة "التفكير والخلق" وصولا لمتلق تشغله نفس الأمور ويشترك مع الفنان والفيلسوف في نفس الهموم.
الرأي بمفهوم دولوز الفلسفي هو دليل علي تعطل وكسل الفكر يتعارض تماما مع كل نشاط إبداعي أو فكري. يذكر دولوز وجتاري في كتابهما "ما الفلسفة" مثالا لرجل يمر من حالة كره تام لنوع معين من الجبن لتعميم رأيه الشخصي بهدف إثبات أضرار الجبن وأثره علي الصحة.
إن رأي هذا الرجل نموذج لميل معظم الناس ممن لديهم "آراء" لتجاهل الفوارق بين معطيات الوجود، حيث يصبح مقياس الكون كله هو "أنا" الأمر الذي يؤدي حتميا لإضعاف الحيوية والنشاط اللازمين لروح وصفة الفكر.
ويضيف دولوز وجتاري قراءة سياسية لهذا النوع من استشراء وشراسة الرأي، حيث يعتبرانه نتاج الفكرة العقيمة التي نشرتها الرأسمالية الحديثة التي تعتبر أن الناس جميعا واحد ويستطيعون جميعا التعامل مع السوق العالمية بنفس الطريقة وبنفس الطاقة طالما أتيحت لهم فرصة وحرية التعبير عن رأيهم. ثقافة الاستهلاك التي رسخت لها الرأسمالية انسحبت أيضا علي ثقافة استهلاك الرأي والرأي الآخر، بضاعة تحل محل أخري، ودعاية تحل محل أخري في عجلة رأس المال الدوارة، والمستهلك الحديث سعيد لأنه يستطيع الادلاء برأيه في كل البضائع المتاحة في السوق، عينية أو فكرية، بوهم الحرية والديمقراطية.
الرأي هو إذن وسيلة الإنسان لتعميم التجربة الخاصة واعتبارها تجربة إنسانية عامة، هو طريق الإنسان الكسول محدود التفكير لتجاهل الفروق بين البشر بل والتغاضي عن فهم وتحليل كل ما يمثله العالم من تعقيد. الرأي ينتقل من الرغبات والمفاهيم الخاصة لرغبات ومفاهيم معممة لخلق نوع من التجانس بين الناس جميعا بغض النظر عن حقيقة وطبيعة هذا التجانس. الأغلبية علي سبيل المثال تتصور أن بإمكانها فرض رأيها علي الأقلية، والإنسان العادي يتصور أحيانا أن رأيه أهم من رأي المتخصص والمؤمن يؤمن بأنه علي حق والآخرون علي ضلال. أما الفكر فوسائله وطموحاته عكس ذلك علي طول الخط.
ولكن لنتفق مبدئيا علي أن قراءة وفهم الفلسفة لا تعط إنسانا مهما علت قيمته وزاد قدره الحق في تسفيه رأي الآخر، فالقضية هنا لا تخص "إثبات الذات" ولا التباهي بالمعرفة ولا الاستمرار في مواجهة أثبتت فشلها علي مر العصور بين المفكر والمجتمع. القضية تخص محاولة تجنب الصراع والمواجهة التي لا طائل منها، وطرح الأسئلة بشكل مغاير ليس علي طريقة السياسيين والأيديولوجيين ورجال الدين الذين يتصورون أن المعرفة وسيلة للسيطرة علي عقول الناس وتوجيههم، ولكن علي طريقة الفلاسفة في دعوة الناس للتفكير والمقارنة والتأني.
تضرب كلير كولبروك مثالا بمفهوم الحب للتدليل علي أهمية الفصل بين الرأي والفكر.
تقول نقلا عن دولوز إننا لو أخضعنا الحب لمقياس الرأي فسنجد أن إنسان الطبقة المتوسطة يحدد الحب في نوع واحد دون عداه، الزواج. وكل ما هو خارج الزواج يعتبره صاحب هذا الرأي "قلة أدب" وخروجًا عن التقاليد!
لكن لو أخضعنا الحب لمقياس التفكير والفلسفة، فإننا نجد أنفسنا خارج كل النماذج سابقة التجهيز والمعدة سلفا لتفسيره وممارسته. لو فكرنا في الحب لوجدنا أن قوته وطاقته وعنفوانه والامكانيات والاحتمالات التي يعد بها أوسع وأعمق بكثير من رأي أبناء الطبقة المتوسطة عن الصح والعيب.
هل يعني ذلك أن الفيلسوف يريد فرض تفسيره ورؤيته للحب علي صاحب الرأي القائل بأنه لا وجود للحب خارج الزواج؟ هل يريد الفيلسوف القضاء علي النموذج السائد (الحب هو الزواج) لكي يحل محله نموذج آخر هو صانعه (الحب طاقة حرية لا حدود لها)؟ لا أعتقد أن هذا هدف ودور الفيلسوف أو الكاتب أو الفنان. الأمر وما فيه أن التفكير في الحب كمفهوم فلسفي يختلف كليا ونوعيا عن رأي الأفراد وممارساتهم اليومية. وهاجس الفيلسوف الأول هو خلق المفاهيم وفتحها علي الاحتمالات، فتح مفهوم الحب علي سبيل المثال لكي يضم العالم الأوسع والأرحب، عالم الممكن وليس عالم الجائز والمسموح به والمتفق عليه والمقبول والمرفوض.
الفلسفة لا تأخذ نموذج العلاقة الزوجية الثنائية لتقول هذا هو النموذج الأمثل للحب. إن مفهموم الحب باعتباره "لقاءً محتملا بالآخر باعتبار هذا الآخر عالما كلياً جديداً" يتيح لنا التفكير في أشكال أخري من الحب لم تتحقق بعد، لم تتشكل بعد، تنتظر في عالم الاحتمال. المفهوم الفلسفي النشط علي عكس الرأي الكسول التابع - هو تلك القوة اللازمة للنزوع خارج المعروف والمألوف والتفكير في إمكانية توسيع التجربة وفتحها علي شساعة العالم. يتفق في ذلك مفهوم الحب... ومفهوم الوطن، موضوع الثلاثاء القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.