انطلقت مباريات الدورة التاسعة عشرة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) علي كأس العالم يوم الجمعة الماضي، لتصبح جنوب أفريقيا أول بلد أفريقي علي الإطلاق يستضيف مباريات كأس للعالم 2010 . سئلت «ماري هارفي» الفائزة بالميدالية الذهبية الأوليمبية والمسئولة عن احتراف النساء للعبة كرة القدم في الولاياتالمتحدة، عن سبب ولع الناس في العالم إلي حد الهوس بهذه الساحرة المستديرة، قالت: فتش، إذا رغبت، عن ما هو الشيء «الإنساني» المشترك في الكرة الأرضية، وقد يكون علي الأرجح - حتي قبل المساواة بين المرأة والرجل - «لعبة كرة القدم». أول من تنبه إلي العلاقة بين اللعبة الشعبية الأولي في العالم ونظام الفكر السائد في مرحلة تاريخية ما، هو مؤرخ الأفكار الهولندي «يوهان هويزنجا» الذي أسس (التاريخ الثقافي) كفرع معرفي جديد. ففي الثقافة يصعب الفصل بين عنصر اللعب وعنصر الجد، لأن النشاط الفكري لأي عصر من العصور، ينطوي بدرجة تتفاوت زيادة ونقصانًا علي سمة من اللعب، ولكنه لعب جاد. بعض الألعاب الرياضية لم يظهر قبل تشكل فنون معينة، وبعضها الآخر أوحي بهذه الفنون، والفلسفة اليونانية ارتبطت في نشأتها بلعبة المصارعة، التي عبرت عن الصراع والجدل والتناقض، وسائر الثنائيات التي لا تزال الفلسفة ترزح تحتها «كلعنة» منذ أفلاطون، كما قال نيتشه. ونشأة الجامعة في العصور الوسطي تزامنت مع انتشار «الفروسية» وعبرت عنها أيضًا، فمدار حياة الجامعة كان هو المنازعات الدائمة والخصومات الجدلية، شأن منازلات الفروسية، حيث تقاتل العلماء بأسلحة القياس المنطقي، وعكس القياس الأرسطي بتركيبه الثلاثي، ثلاثية أخري هي الرمح والدرع والسيف، وتقلد أصحاب الدرجات العلمية كالدكتوراه أسلحة نبيلة شأن الفارس تمامًا. لكن ظهور «فن الرواية» كان له شأن خاص - حسب ميلان كونديرا - فقد أسس سرفانتس وديكارت معا الحداثة الغربية، وفي اللحظة التي تناست فيها الفلسفة والعلوم الوجود البشري، لم يكن للرواية من هدف آخر سوي اكتشاف هذا الوجود المنسي والمكبوت، إذ أتاحت الرواية تعدد الأصوات والحوار وطرح الأسئلة، من خلال مواقف حية وشخوص من دم ولحم. إن سقراط الشخصية الرئيسة في محاورة «الجمهورية» لأفلاطون، لم يتوقف البتة عن جعل الحوار مستحيلاً، كما أكد كل من جيل دولوز وفليكس غاتاري في كتابهما «ما الفلسفة؟» لقد طرح أسئلة علي أصدقائه، لكنه كان يعرف الجواب مسبقًا، أي أنه حول الصديق، إلي صديق لمفهوم واحد. إن الحقيقة سابقة علي الوجود، وليس هناك من جديد يكتشفه الحوار، علي العكس تمامًا من الحوار في الرواية. لذا فقد أصاب جاك دريدا في كتابه «الصوت والظاهرة» حين قال: «إن الفلسفة منذ أفلاطون وحتي هوسرل، محكومة بالمركزية الصوتية. إن صوت الفلسفة هو صوت الوعي لا صوت الحياة» أول من فلسف العلاقة بين الرواية ولعبة كرة القدم، ألبير كامو الحائز علي جائزة نوبل للآداب عام 1957، حين قال: «تعلمت أن كرة القدم لا تأتي مطلقًا نحو أحدنا من الجهة التي ينتظرها منها». وكرة القدم هي أحد الميادين التي تطرح بقوة مشكلة العلاقة بين اللغة والجسد، بمعني: كيف يمكنك أن تجعل شخصًا ما يفهم، أو بالأحري أن تجعل جسد شخص ما يفهم كيف يمكنه تصحيح الطريقة التي يتحرك بها؟ ثمة إذن طريقة للفهم خاصة تمامًا، هي تلك الطريقة التي تتمثل بجسد المرء، وهناك أكوام من الأشياء لا نفهمها إلا بأجسادنا، خارج الوعي الواعي، ودون أن نستطيع صوغ فهمنا في كلمات، كما يشير بيير بورديو. لقد تسربت لغة كرة القدم عبر كل مسام حياتنا، من السياسة إلي الشارع وحتي فراش الزوجية، ويمكن تشبيهها بسهولة بما يحدث في الحياة، فلا يمكنك تسجيل هدف دون أن يكون هناك فريق وراءك.