علي عكس ما قد يعتقده البعض، مازالت فرنسا تعتبر الهجرة الخارجية عنصرا اقتصاديا إيجابيا، فهي تساعد علي دفع النمو الاقتصادي وزيادة النشاط التجاري بالأخص، وتوفير عمالة للمهن التي يرفض الفرنسيون القيام بها ،كما تعوض نسبة الشيخوخة المتزايدة في الدول الأوروبية وهو ما جعل العديد من المنظمات الدولية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدني إلي جانب وسائل الإعلام تطالب بتقليل القيود علي السياسات الفرنسية للهجرة . وفي كتابها «عيون مغلقة علي وسعها »، الصادر عن دار دونويل،تطرح الخبيرة السكانية ميشال تريبالا تلك القضية الحساسة في المجتمع الفرنسي والتي تصطدم دائما بتابوهات وقضايا سياسية شائكة : الهجرة. وتقول الكاتبة إن العنوان فيه إشارة للحقائق التي «تتعامي» الحكومة عن رؤيتها، حيث تقتصر المعلومات والأرقام لدي السلطات الفرنسية علي المهاجرين من خارج المجال الاقتصادي الأوروبي إلي داخل فرنسا ، أما أعداد الهجرة من أوروبا أو الهجرة خارج فرنسا فلا يوجد دراسات كافية عنها . وقد يرجع ذلك إلي التوجه العام في سياسات الرئيس الفرنسي ساركوزي منذ أن كان وزيرا للداخلية والذي طالما رأي أن الهجرة تمثل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً علي فرنسا وتشكل مصدر توتر وتهديدا كونها لا تؤدي إلي أكثر من ضم بائسين جدد إلي المهاجرين الموجودين في البلد ويعانون من أوضاع بائسة في الأساس. الأمر الذي دفعه منذ توليه رئاسة الجمهورية عام 2007 إلي استحداث وزارة لم تعهد فرنسا مثلها من قبل، أطلق عليها اسم وزارة الهجرة والاندماج والهوية الوطنية والتطور المشترك. . واعتبر ساركوزي أن أفضل السبل للخروج من هذا الوضع يقضي بتحديد شروط ومواصفات ينبغي توافرها لدي الطامح بالهجرة إلي فرنسا، وحصر مجال الهجرة بمهن وقطاعات معينة وفقاً لحاجات الاقتصاد الفرنسي ومقتضياته. إلا أن المؤلفة أكدت في كتابها أن دراسات أجريت في الولاياتالمتحدة وانجلترا تثبت أن معدل إجمالي الناتج المحلي للفرد يزيد بزيادة معدلات الهجرة.. لكن في الوقت نفسه لم تستطع الكاتبة تجاهل التأثيرات الاجتماعية للهجرة التي قد تخرج عن السيطرة ، وإن كان كتابها كما تصفه لا يقدم حلولا جاهزة إلا أنه يكشف أوجها لم تكن مطروقة لهذه القضية الحساسة .