شاب يحب الحكي والكتابة، قرر أن يصبح قطا، أن يري العالم ويتعامل معه مثل قط، فوضع خربشاته علي الورق، فخرجت لنا مجموعة "القطط أيضا ترسم الصور"، إنه الكاتب الشاب أحمد شوقي، الذي أصدر مجموعته مؤخرا عن دار "صفصافة"، والذي ظل طوال حديثه ل"روزاليوسف" يؤكد علي حبه للحكي. قال أحمد عند سؤاله عما يمثل له الحكي: أنا أحب الحكي، وأحب أن تخرج الحكاية بشكل تلقائي، مثل الرقص بالتنورة أو الذكر في حلقات المتصوفين، ورثت حب الحكاية عن جدتي وأمي، ولازمني هذا الارتباط بالحكاية حتي بعدما انقطعت حكايات الجدة والأم، وكنت حريصا علي شيء واحد وهو كيف أبقي المستمع مستمرا في متابعتي والاستماع لحكايتي دون ملل.وعن فكرة المجموعة قال: لدي قط اسمه "فتحي"، اشتريته هدية لحبيبتي لكنها لظروف ما لم تتمكن من الاحتفاظ به لديها، فظل معي، واطلقت عليه اسم فتحي، وكان صغيرا وتعبت جدا في تربيته، وكنت دائما أسأل نفسي، كيف يفكر فينا ويرانا، فكتبت حول هذه الفكرة بشكل خفيف وبسيط، إلي أن كتبت خمس قصص، وعندما وصلت إلي قصة "الروح الطاهرة تزور المكان"، ألح علي سؤال وهو لماذا لا أكون أنا القط؟ ولماذا نكتب عن هذه العوالم وكأنها حلم أو محض خيال، فقررت أن أتقمص روح القط، ونحيت الإنسان جانبا، وكتبت من وجهة نظره هو ورؤيته هو لا من رؤيتنا نحن، وأصبح الإنسان في المجموعة هامشيا، كما تكون الحيوانات هامشية في حياتنا. وكشف شوقي أنه لم يحدد الشكل الذي يكتب فيه سواء رواية أو قصصًا قصيرة أو متتالية قصصية. أعتقد أن كل قصة أو رواية هي في الأصل "حدوتة"، ولابد لمن يكتب الرواية أو القصة ألا ينحاز إلي شيء آخر من فنون الكتابة علي حساب "الحدوتة"، وهذا لا يعني أنني أعيب علي اللغة المقتصدة، بالعكس أنا أقصد أن كثيرا مما ينشر الآن يعاني من تشوه الحكاية أو عدم وضوحها، بالإضافة إلي ركاكة اللغة المكتوبة بها، ومهما وصل التطور أو التجريب بأساليب الكتابة والحكي، لا ينبغي أن يكون ذلك ضد "الحدوتة" بل يجب أن يكون في صالحها، وإلا فعلينا أن نسميهما شيئا آخر غير القصة والرواية. وأكد شوقي أنه لم يقصد أيضا أن يبدأ أول أعماله بهذا الشكل الفانتازي، قائلا: لم أكن أتخيل أحدث أو أبحث عن أفكار، وإنما كنت أترك نفسي للخيال، أتحدث من داخله وليس من خارجه، فقد نصحني صديق عندما قرأ أعمالي قبل النشر، أن أبحث عن نفسي وشكلي أولا قبل النشر، واكتشفت أنني قادر علي الفنتازيا سواء في الكتابة أو الحياة. وتحدث شوقي عن ورشة الكتابة التي صنعها لنفسه دون قصد، وكيف كان يكتب ثم يبدأ بعد ذلك في العمل علي ما كتبه بالتعديل والتنقيح، مستفيدا من خبرة أو رأي صديق، كتاب قرأه، إلي أن اكتشف أنه كسر من خلال هذه الورشة فكرة أن الكتابة إلهام، ووصل إلي أن الكتابة صنعة، وعمل وحب وليس إلهاما يأتي أو لا يأتي. شيء مهم توقفنا عنده وهو الخوف من اتهامه بالتشابه مع عدد من النصوص خاصة "التلصص" لصنع الله إبراهيم، لكنه كان له رأي آخر وهو أنه لم يفكر في هذين العملين لأن "تلصص" أصلان يختلف شكلا ومضمونا عن عمله، وأكد أن الخوف كان بالنسبة له من تشبيهه بأعمال مثل "عين القط" لحسن عبد الموجود، أو "شريعة القط" لطارق إمام، رغم أنه أكد أنه لم يقرأ هذين العملين إلا بعد الانتهاء من كتابة مجموعته، بالإضافة إلي خوفي من الاتهام بالتأثر بيحيي الطاهر عبدالله "حكاية علي لسان كلب"، خاصة أنني أهديت المجموعة له. وهنا انتقل الحديث عن إهداء المجموعة ليحيي الطاهر عبدالله، فقال: يحيي الطاهر عبد الله مدرسة كتابة القصة القصيرة بالنسبة لي، فهو كان الدرس الأول في كتابة القصة القصيرة، عندما نصحني أحد الأصدقاء بقراءته، كما كان السبب في تركيزي في كتابة القصة وعدم التحول إلي الشعر في السن الذي يذهب فيها معظم الشباب إلي كتابة الشعر، وكان ذلك عندما شبهني أحد الأصدقاء أيضا وهو يكتب لي إهداء ديوانه بيحيي الطاهر عبد الله القادم. لا يجد أحمد شوقي عيبا في استخدام الأسلوب التراثي في الكتابة الحديثة، قائلا: رغم التطور في أساليب السرد، لا تزال أعمال الجاحظ و"ألف ليلة وليلة" تمثل قمة ما وصل إليه السرد العربي، وكتابات ما بعد الحداثة بأوروبا تكتب بهذا الشكل التراثي الماخوذ عنا في الأساس، وكاتب كبير مثل جمال الغيطاني في أحدث كتاباته "دفاتر التدوين"، تأثر جدا بهذا الأسلوب التراثي في اللغة، ولا أري انحيازي لهذا الأسلوب له علاقة بقراءاتي أو علاقاتي بالكتاب الكبار من الأجيال السابقة الستينيات والسبعينيات، فأنا أري أن قراءة تجارب قديمة مكتملة وناضجة، أفضل لي من قراءة تجارب لا تزال تبحث عن هويتها. وأكد شوقي أنه بالفعل تأثر بكبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيي الطاهر عبد الله، وقامت ثقافته علي ما قرأه لهم، ولا يتخيلها بدونهم، ورغم ذلك لم أحاول أن أرتدي ثوب أحد، وإنما قررت أن أترك كتابتي تخرج كما هي دون إطار محدد سلفا، حتي لا أتشابه مع أحد. ويعترف أحمد أنه يحرص علي معرفة آراء المقربين منه في كتاباته، فعند عرض العمل قبل نشره علي الأصدقاء وكان عبارة عن قسمين، الأول بعنوان "من مذكرات القط" والثاني بعنوان "حكاية رئيسة وراغب ومعتمد"، نصحوه بحذف القسم الثاني منه، لعدم ملاءمته لسياق الكتاب العام، وأعتقد أن هذا الحذف أفاد الكتاب كثيرا، وأفادني أنا شخصيا في العثور علي فكرة جديدة تصلح لأن تكون مشروعا مستقلا، وهو ذلك القسم الثاني الذي حذفته، أو لنقل أجلته قليلا. ولحرصي وامتناني لهؤلاء الأصدقاء، حرصت علي كتابة إهداء في نهاية المجموعة، وجهت فيه الشكر لبعض الأسماء التي أحرص علي معرفة رأيها في أعمالي ومنهم: الدكتور يسري عبد الله والكاتب إبراهيم عبد المجيد والشاعر أحمد عبد الجواد. وعلي نقيض ما يواجهه المبدعون الشباب من صعوبة للنشر، خاصة في نشر العمل الأول، أكد شوقي أنه لم يواجه أية صعوبة في نشر عمله، بل علي العكس أتيحت له أكثر من فرصة، اختار منها ما رآه مناسبا له، وعن تجربة النشر قال: التوفيق حالفني جدا في هذا العمل، حيث استغرق نشر كتابي خمسة أشهر حتي صدر، تلك الأشهر الخمسة تخللها بحث وتردد علي عدد من دور النشر، حتي تعرفت إلي دار "صفصافة" وسلمتهم المخطوطة، وبعد قبولهم نشر الكتاب قمنا بتحرير العقد في العشرين من مارس 2010، وأخذت عملية الإصدار شهرين ونصف فقط حتي صدر الكتاب في أواخر مايو 2010، وهي كما ترون فترة قصيرة جدا بالنسبة للنشر دون دفع فلوس للناشر، هذا بالإضافة إلي أنني كانت لدي فرصة للنشر في سلسلة "الكتاب الأول" عن المجلس الأعلي للثقافة. وبصراحة متناهية قال شوقي: فضلت النشر الخاص علي النشر في سلسلة المجلس لأنني ببساطة مثل أي كاتب شاب يريد أن يفرح بعمله، ويقيم له حفل توقيع، وهذا كان السبب الأول وراء اختياري النشر الخاص، هذا طبعا بالإضافة إلي أن الدار الخاصة ستتولي مهمة التوزيع علي نطاق واسع، بينما المجلس ليس له فروع لتوزيع أعماله سوي مقره بالأوبرا، ومسألة التوزيع والانتشار مهمة جدا، لأن كاتبا بلا قارئ هو كاتب ميت. ونفي شوقي نهائيا أن يكون تعرض للإجبار علي تغيير بعض الأشياء بمجموعته مثل العنوان أو ترتيب الفصول أو غيرها من الشروط التي تضعها دور النشر خاصة للكتاب الشباب، وقال الدار لم تتدخل في العمل مطلقا، وصدرت بنفس الاسم الذي اخترته لها، حتي المحرر العام بالدار كانت له بعض الملاحظات علي تركيب بعض الجمل، فقام بوضع علامة عليها وترك لي حرية التغيير أو التعديل أو حتي الإبقاء عليها كما هي، وهو ما حدث، الشيء الوحيد الذي كنت أريده ولم يتم أن تكون صورة الغلاف رسما يدويا، وليس بالكمبيوتر، لكن علي كل حال صورة الغلاف جيدة ومعبرة عن العمل.