سبعون عاما تمر اليوم علي إزاحة الستار عن تمثال الزعيم مصطفي كامل في الميدان الذي يحمل اسمه بوسط القاهرة ففي الرابع عشر من يونيه سنة 1940 وبمشاركة الملك فاروق تم تخليد الزعيم الشاب ذي العاطفة الرومانسية والخطب الحماسية والتراتيل المنغمة بعد ثلث قرن تقريباً من رحيله. ولد مصطفي كامل سنة 1874 قبل سنوات قلائل من الاحتلال الإنجليزي لمصر وتفتحت عيناه علي مشهد سلبي يسيطر عليه الركود والتواكل واللامبالاة فعبد أن وصل الحماس الوطني إلي ذروته مع الانتفاضة العرابية التي تراود الحرية والدستور تراجع الاهتمام بالشأن العام بعد الهزيمة ولم يكن بد من استنهاض الهمم وبعث الروح وفي هذا الإطار الإحيائي يبرز دور الزعيم الشاب الذي بدأ من الصغر وتحالف مع الخديو عباس حلمي والدولة العثمانية وراهن علي التعاون مع فرنسا لمواجهة خصومهم التقليديين واستثمر فظائع الإنجليز في دنشواي للتنديد بسياستهم وفضح رمزهم البغيض اللورد كرومر وأسس جريدة اللواء والحزب الوطني ليبدأ نوع من الحراك السياسي والفكري غير المسبوق ثم رحل مصطفي في ريعان الشباب وشيعته الأمة في جنازة مهيبة تليق بإخلاصه وعطائه. حب الوطن بلا حدود قيمة نبيلة نتعلمها من حياة مصطفي كامل لكن الإسراف العاطفي غير الرشيد هو الآفة التي ينبغي تجنبها ذلك أن السياسة علم يخضع للحسابات الدقيقة ويراعي المصالح المتضاربة وموازين القوي ومما لا شك فيه أن خطاب الحزب الوطني وزعيمه أقرب إلي الأحلام منه إلي التعبير عن معطيات الواقع والشعارات المطروحة غير قابلة للتنفيذ فهل نقنع بترديدها دون جدوي أو فائدة؟! ما أجمل أن نحب مصر ونتغني بأمجادها ونشيد بمآثرها ولا يقل جمالا أن نتقن هذا الحب ونرشده بالعقل والحكمة فلا نقنع بالغناء دون عمل ولا نكتفي بالعبارات الرنانة منصرفين عن التفكير في آليات تنفيذها. سبعون عاماً والتمثال قائم ترمقه أجيال من العابرين ولعل بعض هؤلاء يستعيد عطايا الزعيم ويقرأ الفاتحة ترحما عليه فهو شهيد الغرام بالوطن والسعي إلي انتشاله من الانكسار.