نصحني عدد من اصدقائي بعدم الكتابة الآن في موضوع الأزمة بين النيابة العامة ونقابات المحامين التي تحولت الي شبه مواجهة شاملة بين المحامين واعضاء السلطة القضائية وهو الامر الذي ينذر بخطر داهم علي طرفي ادارة العدالة، وانا كمواطن مصري اولا وقبل كل شيء، واشرف بالانتماء الي مهنة المحاماة، إلا انني تابعت بقلق بالغ تطورات الازمة الاخيرة التي يمسك طرفاها بطرف من الحبل في مواجهة الطرف الاخر وبعد صدور حكم بالحبس لمدة خمس سنوات علي اثنين من المحامين وصدور قرارات الضبط والاحضار لعشرات من المحامين ظهرت توابع زلزال هذا الحكم من افعال عنف من حصار السيد المستشار المحامي العام بالمحلة الكبري ومنع قضاة من دخول المحكمة وهي افعال غير مبررة ولكنها توابع للزلزال وسوء ادارة للازمة وشد الحبل من الطرفين فكل طرف يريد ان يطرح الطرف الثاني ارضا، وكل طرف يستخدم في المعركة كل اسلحته وادواته. لا يخفي علي احد ان نقابة المحامين تعج بالتكتلات السياسية والصراعات الانتخابية وقد تستغل الازمات لاشعال حدة الصراع وزيادة حدة الاستقطاب الا انه داخل نادي القضاة ايضا يوجد تياران الاول هو الذي يدير حاليا في مواجهة تيار اخر المسمي بتيار الاستقلال وكل منهما يريد ان يثبت للاخر انها لا قدر علي الحفاظ علي استقلال وكرامة القضاء وبالتالي فان اسقاط هذه الحسابات يساعد كثيرا في حل الازمة بموضوعية وبحياد بما يحفظ للجميع كرامته وهو مايستدعي ايضا البحث عن حل للافراج عن المحامين المحبوسين . واظهرت الأزمة ايضا اثر تدهور التعليم القانوني في كليات الحقوق وغياب التكوين الليبرالي لطلبة الحقوق والاعداد الضخمة التي تقبلها هذه الكليات والتي لا يستوعبها سوق العمل والتي اثرت بدورها علي تغير المناخ العام ولغة الحوار.وعلي الجانب الاخر فغياب تدريس قيم وتقاليد السلطة القضائية والمحاماة قد اثر بما لا يدع مجالا للشك علي تأهيل وتكوين اعضاء النيابة العامة والسلطة القضائية واصبحت السلطة القضائية تتحمل عبء هذا التدهور ايضا، ان دعم التعليم القانوني التحليلي والاهتمام بقيم وتقاليد السلطة القضائية ومهنة المحاماة والاهتمام بالتكوين الليبرالي لطلبة كلية الحقوق اصبح ضرورة ولم يعد ترفا . كما ان العلاقة التبادلية التي كانت قائمة بين مهنة المحاماة وبين السلطة القضائية والتي كانت تأخذ شكل تعيين المحامين في الوظائف القضائية قد انتهت واستبدلت بما يسمي بدفعة ضباط الشرطة وغاب عن تكوين السلطة القضائية عضو النيابة والقاضي الذي كان لديه الاحساس بقيمة وقدر مهنة المحاماة ،وعلي الجانب الاخر فان هناك قطاعاً من المحامين يشعر بالظلم من مسائل التعيين في النيابة العامة فلم يعد التفوق والنبوغ هما المعيار الاساسي في التعيين بل دخل معيار اخر يسبب اشكالية طاحنة وهو ما يطلق عليه الفقر الاجتماعي وهو الذي ادي الي عدم تعيين ابناء الطبقات الفقيرة من النابغين والحاصلين علي تقديرات عالية والاستعاضة عنهم بما يطلق عليه بالدفعة التكميلية من الحاصلين علي تقدير مقبول مما ولد احساسا بالظلم الاجتماعي او بتعبير ادق بالحقد الاجتماعي مما يستوجب اعادة النظر في تلك السياسة. كما ان الدفع بالقضاة الي ادارة النقابات في شكل لجان مؤقتة او القيام بعمليات الاشراف علي الانتخابات عليها جعل اعضاء السلطة القضائية في مواجهة مستمرة مع اعضاء النقابات المهنية وصلت الي حد التشكيك في النزاهة والحيدة ،ويرتبط هذا الامر ايضا بالدفع بالقضاة الي ادارة الانتخابات العامة ومواجهة الادعاءات من داخل صفوف السلطة القضائية بالتزوير والنزول الي مواجهة البلطجية وتجار الانتخابات علي الارض وليس من خلال منصة القضاء يعتبر مساساً فعليا بهيبة القاضي وعضو النيابة امام الرأي العام . كما كشفت الازمة عن غياب التنسيق والعلاقة التشاورية بين اعضاء النيابة والسلطة القضائية وبين ممثلي المحامين في النقابة العامة والنقابات الفرعية واللجان النقابية في المحاكم الجزئية لبحث المشكلات التي تعوق اياً منهم عن اداء دوره في تحقيق العدالة وتسيير العمل اليومي داخل المحاكم واقتراح الحلول لها بما تقتضيه من اصدار تعليمات قضائية وتعميمها علي اعضاء السلطة القضائية ونقابات المحامين . ايها السادة ان استقلال القضاء ضمانة اساسية لاستقلال مهنة المحاماة تعالوا نجلس سويا شركاء وليس فرقاء في ادارة العدالة، شراكة اساسها دائما الاحترام والتوقير المتبادل .