الرغبة في قصر إلزام السنة علي التواتر من الحديث ليست خروجا علي الدين. ورفض اعتبار التواتر في الحديث النبوي شرطا أساسيا للتيقن من نسبته للنبي «ص».. ليس قدحا في العقيدة. البعض يري أن من السنة غير المؤكدة ما يفسد الدين.. وهو كلام وجيه. فقد شهر عنه «ص» ما يزيد علي 569 ألف حديث، أخذ منها الإمام البخاري فقط ما اقترب من ال8 آلاف ثم جاء تلميذه مسلم فأخرج ما لا يزيد علي 5 آلاف فقط. وفي كتابه أخرج مسلم ما لم يخرجه أستاذه البخاري، وفي كتاب البخاري الكثير مما لم يخرجه مسلم. بينما اتفق الاثنان علي أقل من 3 آلاف حديث تقريباً، لم يأخذ بها عدد لا يستهان به من رواة الحديث الثقات.. كالإمام ابن ماجة والترمذي. أما الإمام مالك، فلم يعتد بنسبة كبيرة من الأحاديث التي أخرجها في كتابه «الموطأ» رغم مكانة مالك.. ورغم كونه من أئمة المسلمين الأربعة الكبار. سبب عدم اعتبار أحاديث «الموطأ» هو إسراف مالك في حب رسول الله، ما جعله يجمع كل ما نسب إليه «ص» من أقوال وأفعال، والنتيجة أن دخل إلي المسلمين من السنة النبوية عبر الإمام مالك.. ما اتضح بعد ذلك ضعفه، وعدم صحته.. وأحيانا كذب رواته لسبب أو لغرض ثم، مخالفته للأصول.. والعقل أحيانا أخري. أخذت السنة النبوية مساحات طويلة من الجدل ما كان ينبغي أن تستهلكنا فيها في الوقت الذي لم يأخذ فيه التفقه في صلب العقيدة.. وتدعيم المعاملات وأحكام الحفاظ علي الحقوق ربع ما أخذت. حب المسلمين للنبي «ص»، أدي لاختزالهم الدين في شخصه «ص». وولعهم به «ص» هو السبب في التعلق بكل ما قيل إنه قاله أو فعله.. دون قدرة علي مصارحة النفس بأن كثيرا مما نقل ليس هو ما قيل. في مرحلة سياسية ما في تاريخ الإسلام سري الاعتقاد بحفظ الله سنة رسول الله، الأمر الذي حول كتبها إلي كتب موازية لكتاب الله.. مع أن هذا لم يكن أمرا دينيا، ولا خطابا سماويا. وفي مرحلة ما كان الكذب علي النبي، أو التقول عليه «ص» فاحشة ومقتا وساء سبيلا. وقتها كان الاطمئنان الشديد للمنقول عنه «ص» واردا، والتسليم بأنه لا علة ولا غرض فيما نقل عنه.. ممكن. لكن بانتهاء عصر عثمان بن عفان، سقطت هذه النظرية.. وكان يجب أن يتغير الوضع، وهو ما لم يحدث. فبعد عصر الخلفاء الأربعة، تحولت أقوال النبي «ص» إلي أداة للتفوق العرقي أحيانا وللسطوة السياسية أحيانا أخري. وبانتهاء عصر تابعي التابعين.. دخل الإسلام علي ظهر السنة، كثير من تراث الفرس، وأساطير الشعوب التي أرغمت علي دخول الإسلام.. إما هربا من الجزية، أو خوفا من السيف، وورثنا نحن كل هذا.. دون رغبة في الإفاقة. في كتب مسلم أحاديث صحيحة لم يأخذها البخاري، ولدي البخاري صحيح لم يأخذه مسلم.. وفي الكتابين كثير من الصحيح قليل من «المتواتر».. والدائرة مغلقة!