يبدو أن السياسة التركية مثلها مثل المسلسلات التركية.. تعتمد علي الشكل والمنظر دون الاهتمام بالمضمون.. مثيرة في شكلها لكنها خاوية من الداخل.. هذا ما تؤكده حتي الآن الأفعال التركية ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم علي «أسطول الحرية» الذي كانت تشرف عليه وتقوده أنقرة وسقط أغلب ضحاياه من الأتراك! تابعت الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء التركي رجب وطيب و«أمير» والاسم الأخير ده من عندي يوم الثلاثاء قبل الماضي في أول رد فعل له علي القرصنة الإسرائيلية التي استباحت دماء أتراك وآخرين عزل ولطخت سمعة ومكانة تركيا في المجتمع الدولي.. فماذا قال الرجل «الطيب»؟!.. كلام جميل.. هاجم إسرائيل وانتقدها بالكلام.. خاطبها بالعقل وبالمنطق وبالتوراة.. دون أن يعلن قرارًا واحدًا يوحد ربنا والشعب التركي ضد إسرائيل!! نعم هاجم رجب طيب أردوغان إسرائيل بوحشية وقسوة.. ووصف ما ارتكبته من مذبحة ضد «أسطول الحرية» بالعمل «الدنيء».. وفوض أمره وأمر شعبه للأمم المتحدة علي اعتبار أن هذا الاعتداء يستهدف فلسفة المنظمة الدولية علي حد تعبيره لينتهي المشهد التركي عند هذا الحد.. وليخرج المسئولون الأتراك فيما بعد يعلنون أن العلاقات مع إسرائيل «قد» تتأثر خلال المرحلة المقبلة!! والواقع أن العلاقات التركية الإسرائيلية شهدت خلال السنوات الأخيرة مناوشات تنتهي عادة عند حدود الكلام.. خطب رنانة لرجب طيب أردوغان في المحافل الدولية تنتقد إسرائيل وتطالب بحل عادل ومشروع للقضية الفلسطينية.. ومسلسلات تركية تلقي الضوء علي وحشية إسرائيل تجاه الفلسطينيين وبسببها يتعرض السفير التركي في تل أبيب للإهانة من جانب المسئولين الإسرائيليين.. وأخيرًا وهذا هو المهم والأهم دخول أنقرة علي خط الملف النووي الإيراني ونجاحها في التوصل لصفقة تبادل اليورانيوم بين إيران والبرازيل عبر أراضيها في محاولة منها لإيجاد حل دبلوماسي ينقذ طهران من فرض عقوبات جديدة عليها ويساعدها علي مواصلة برنامجها النووي. هنا بدأت إسرائيل تستشعر خطر الدور التركي تجاه هذا الملف خاصة أنها كانت تستعد ولاتزال لتوجيه ضربة جوية علي المنشآت النووية الإيرانية لتعطيل المشروع النووي الإيراني عدة سنوات علي أقل تقدير.. بل ولم تكتف أنقرة بهذا القدر فحاولت بعد أيام التدخل في ملف «حصار غزة» لإحراج إسرائيل.. فكانت المواجهة غير المتكافئة بين «أسطول الحرية» الإنساني واللاإنسانية الإسرائيلية! نعم.. الهجوم الإسرائيلي علي «أسطول الحرية» كان مجرد «اختبار قوة» بين أنقرة وتل أبيب أرادت إسرائيل من خلاله «تحجيم» الدور التركي الذي بدأ يتحول من مرحلة «الكلام» إلي مرحلة «الأفعال»، الأمر الذي يهدد أطماعها وخططها الاستعمارية في المنطقة. فكانت المواجهة في عرض البحر «حتمية» ليفشل الأتراك في أول اختبار حقيقي للقوة وليعاودوا لممارسة دورهم التقليدي في الكلام.. والكلام فقط حفاظًا علي الشكل والمنظر العام تمامًا مثلما هو الحال في مسلسلاتهم!! السياسة هي فن الممكن.. ويبدو أن هذا «الممكن» عند أنقرة غير قادر أن يتخطي حدود الدراما.. وكلها مشاهد.. في التليفزيون.. وفي الواقع.. مسكين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي أثبت فعلاً أنه طيب وأمير وكمان ابن حلال!! • كلام في الهوا: • أمريكا.. هي الدولة الوحيدة في العالم التي رفضت إدانة إسرائيل علي مذبحة «أسطول الحرية».. ونيكاراجوا.. هي الدولة الوحيدة في العالم التي قررت قطع علاقاتها مع إسرائيل.. وإسرائيل.. هي الدولة الوحيدة في العالم التي ترتكب جرائم دولية ولا تحاسب أو تعاقب عليها.. ومصر.. هي الدولة الوحيدة في العالم التي تساهم في الوقت المناسب في رفع الحصار عن الفلسطينيين.. أما ماعدا ذلك فالمواقف كلها إما «عنترية» أو مائعة!