يوسف السباعي، المولود في العاشر من يونيه سنة 1917، ظاهرة جديرة بالاهتمام والتأمل في تاريخ الثقافة المصرية، فهو ضابط وطني، وكاتب روائي قصصي مسرحي، ومبدع سينمائي، وصحفي قدير، وسياسي تولي وظائف بالغة الأهمية بعد العام 1952، وصولا إلي منصب وزير الثقافة، وشهيد للعبث المراهق الذي يقود بعض الصبية الضالين، ممن يحسبون أنفسهم علي المقاومة الفلسطينية، إلي تصور أن اغتياله في قبرص نصر للقضية، متناسين بجهالتهم أنه أنفق حياته في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، منذ حرب 1948، بالبندقية والقلم معا. قد تختلف الآراء حول يوسف السباعي، سياسيًا وأدبيًا وصحفيًا وسينمائيًا، لكن الذي لا جدال حوله أن الرجل كان محور نشاط دائب الأكثر من ربع قرن، وأن بعض أعماله، مثل «رد قلبي» و«بين الأطلال» و«السقا مات» و«نائب عزرائيل» و«العمر لحظة» و«أرض النفاق»، جديرة بالتأمل والتحليل، وبخاصة أن ترجمتها السينمائية حققت نجاحًا لافتًا، وجذبت جمهورًا عريضًا يجد في رومانسية الكاتب الكبير ما يشبع احتياجاته، وفي خطابه الوطني السياسي ما يتوافق مع توجهاته. ما أكثر الأحاديث عن زواج السلطة والثروة، وما يمثله ذلك من انعكاسات سلبية لا تروق للكثيرين، لكن حالة السباعي تشير إلي قضية العلاقة بين المثقف والسلطة، فإذا كان المثقف هو السلطة، يبدو الاشتباك قائمًا ومرهقًا، فهل تعرض الأديب المجتهد لظلم نقدي بسبب موقعه السياسي؟!، وهل كان تجاهله العمدي تعبيرًا عن موقف لا شأن له بالنص الأدبي في ذاته؟! الكتابة عن سياسي مبدع ذي نفوذ قد تثير الشبهة، والبطولة الحقيقية أن يتم الفصل في المعالجة النقدية بين الموقعين، لكن الأزمة تتمثل في شيوع مفهوم غرائبي عن النقد، يجعله مرادفا للهجوم والدفاع، المدح والذم، وهو في الحقيقة عملية تقييم موضوعي لا تراود الوصول إلي تصنيف نهائي وأحكام قاطعة. سقط السباعي شهيدًا برصاص الجهل والجحود، واختفي صاحب الوجه البشوش والابتسامة الدائمة المشرقة في أحلك اللحظات، فلا نامت أعين الجبناء.