بالإعلان عن وفاة مهندس وفيلسوف الدعاية الألمانية النازية جوبلز، في الأول من يونيه سنة 1945، وهو اليوم نفسه الذي صدر فيه إعلان مماثل عن انتحار هتلر، يكون العالم قد تخلص من كابوسين ثقيلين، كبداه من الخسائر الفادحة ما يفوق الحصر، ملايين سقطوا في مذبحة الحرب العالمية الثانية، قتلي وجرحي ومشوهين، ضحايا جنون هتلر وأكاذيب جوبلز، فهل من مفردة تفوق الكابوس؟! أسهم جوبلز بجهد وافر في صناعة الأسطورة النازية، واستطاع بموهبته، التي لاشك فيها، أن يصنع هالة تركت صداها في شتي بقاع العالم، لكن الجرائم الشريرة هذه كان محكوما عليها بالإفلاس، فلا يمكن للأكاذيب أن تدوم إلي الأبد، قد يصدقها بعض الناس طوال الوقت، وقد ينخدع بها الجميع لفترة عابرة، ثم تأتي النهاية الحتمية التي لا مهرب منها. مدرسة جوبلز تتجاوز شخصه، ومبادئه الدعائية تركز علي إدمان الكذب حتي يعانق الصدق، والإعلاء من شأن الخطاب المثير المريح الذي يدغدغ الأعصاب ويثير الغرائز ويهمل العقل، تلاميذ جوبلز من العرب هم الأنبغ والأمهر، فالانسحاب عندهم يعني النصر، والهزيمة تتحول إلي نكسة أو وعكة، والفشل الذريع هو النجاح المدوي الذي لا يراه العملاء في أعداء المسيرة الوحدوية التي ترعب العالم. مدرسة جوبلز المعاصرة في الإعلام المصري، تتجسد في كتيبة من المراهقين العبثيين الذين يعرضون اقلامهم وألسنتهم لمن يدفع أكثر، ولمن يرون أن يجعل من الباطل حقًا، ومن البذاءة منهجا، ومن الترويج لخطاب مضلل كاذب يعرف دعاته جيدا أنه لا يستهدف وجه الوطن والشعب. لم يعد الأمر يتطلب جهدا أو ابتكارًا، فلا اسهل من أن تقول أي شيء، وتضفي علي التفاهات هالات مصنوعة من الكلمات الملونة البراقة، ثم تنشر خبرًا في صحيفة خاصة تدعي الاستقلال، ينتقل بعدها إلي فضائية مشبوهة تبشر بروعة الفوضي سرعان ما يتحول الكذب إلي حقيقة، وينتفخ الكاذبون فخرًا كأنهم من عتاة المناضلين. هل انتحر جوبلز، أم أنه حي يسترزق؟!