بمجرد ما أعلنت الحكومة أمام البرلمان الأسبوع قبل الماضي زيادة أسعار السجائر المستوردة والمحلية لتدبير اعتمادات إضافية في الموازنة الجديدة، تطاير الخبر علي الهواء مباشرة إلي تجار الجملة والتجزئة والباعة فاختفت السجائر من الأسواق وإن وجدتها ستضطر آسفًا أو مجبراً إذا كنت «مدخن أصيل» أن تدفع الزيادة التي قررتها الحكومة مضاعفة رغم أن الزيادة التي أعلنت عنها الحكومة لم تطبق بعد!! مساء الثلاثاء قبل الماضي وأنا في طريقي إلي منزلي توقفت كعادتي عند أحد الأكشاك لشراء علبة سجائر.. ولأنني زبون دائم ومستديم لهذا المكان أخرج البائع العلبة من مكان سري داخل الكشك وكأنني أطلب منه «قرش حشيش» وهمس في أذني «12 جنيه يابيه».. حاولت أن أقنع البائع أن الزيادة الجديدة لم تسر بعد وأن البرلمان وافق فقط علي تلك الزيادة وأن الشركة الأم المنتجة لأغلب أنواع السجائر المستوردة والمحلية لم تحدد بعد السعر الجديد إلا أنه رغم كل كلامي المقنع والمنطقي لم يستجب لي وكأن لسان حاله يقول علي رأي الفنانة الكبيرة «صباح» الغاوي ينقط بطاقيته!! رفضت هذا الأسلوب الجشع وقررت الاكتفاء بما تبقي معي من سجائر لأقضي به ليلتي بشيء من التقنين إلي أن تتضح الرؤية في اليوم التالي.. وبالفعل يوم الأربعاء قبل الماضي حاولت استطلاع الأمر فتوقفت عند أكثر من كشك أو محل وكانت الاجابة تنحصر في ثلاثة ردود.. الرد الأول: لا توجد سجائر.. والثاني: نوعك المفضل غير موجود.. والثالث وهو الأكثر شيوعاً أدفع بالتي هي أحسن 12 جنيهاً بزيادة ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه عن السعر الرسمي.. إلا أنه وللأمانة سرعان ما وجدت ضالتي عند بعض السلاسل الكبري والهايبر ماركت حيث اكتشفت أن تلك المحلات لا تزال تبيع السجائر بسعرها القديم لأن أسعار جميع منتجاتها مسجلة علي الكمبيوتر ولا يمكن تعديلها إلا بقرار رسمي!! والطريف أن هايبر ماركت شهير في مدينة نصر علق لافتة تقول إن من حق كل عميل شراء علبة «سجائر واحدة» وتفهمت الموقف منعا للاتجار والتربح!.. ومن وقتها قررت مقاطعة الأكشاك والمحلات الصغيرة المتناثرة في أنحاء القاهرة وحين أشعر بأن سجائري اقتربت من النضوب أتوجه إلي أقرب «هايبر» أو إلي محطة وقود لتموين سيارتي.. وبالمرة تموين مزاجي!! سؤالي للحكومة والبرلمان الموقر: ماذا يعني الإعلان عن زيادة أسعار بعض السلع.. أي سلع دون تطبيقها علي الفور؟! أعتقد رغم معلوماتي الاقتصادية المحدودة والمتواضعة أن ذلك سيؤدي إلي تعطيش السوق وخلق سوق سوداء ستدر الملايين علي أشخاص بعينهم فهل كانت الحكومة تقصد هذا المعني وتعاملت مع الأمر علي طريقة «نفع واستنفع» بحيث تستفيد الحكومة بالمليارات.. وفي نفس الوقت يستفيد التجار والباعة بالملايين؟!.. هذا بالفعل ما حدث. ما ذكرته ليس دفاعا عن المدخنين رغم أنني اعتبر نفسي عضوا مخضرما في هذا الفريق بحكم أربعين سنة تدخيناً.. لكنني بحكم الواقع الذي عشته تأكدت أن حكومتنا تدمن خلق الأزمات ويبدو أنها كانت تطمح في زيادة طابور المعتصمين علي رصيف البرلمان قبل أن ينفض لكنه خاب ظنها لأنه ليس هناك اعتصام بلا دخان.. فعلاً حكومتنا «مدمنة» أزمات.. والناس لا تزال «خرمانة».