مرة أخري يحاول د.البرادعي من خلال التصريحات الصحفية خطب ود الإخوان.. المرة السابقة أغضبهم في الوقت الذي كان يسعي لكسبهم واضطر لأن يصحح تصريحاته التي سبق أن أدلي بها لمجلة باري ماتش الفرنسية معللاً ما قاله وأغضب الإخوان بأنه خطأ في الترجمة.. هذه المرة تجنب د.البرادعي الحديث عن أفكار الإخوان ومواقفهم السياسية حتي لا يكرر ما حدث من قبل، واتجه مباشرة إلي الحديث عن ضرورة أن تعمل الحكومة القادمة مع جماعة الإخوان لا ضدها. وعلل د.البرادعي ذلك في حديثه لقناة فرانس 24 الفرنسية بشعبية الجماعة الكبيرة التي أحرزتها بسبب طبيعة الدولة السلطوية مؤكدا أنه كلما أنكرنا حقوق الناس الأساسية شجعنا علي التطرف. وأخشي هنا أن تغضب التصريحات الجديدة للدكتور البرادعي الإخوان مجددا لأنهم قد يفهمون من هذه التصريحات التليفزيونية الجديدة أن شعبيتهم ليست حقيقية إنما اكتسبوها لعدم اكتمال الإصلاح السياسي، أي أنها باتت مرهونة بهذا الإصلاح ويمكن أن تزول بتحقيقه.. لكن الأخطر أنهم قد يفهمون أن د.البرادعي يعتبرهم متطرفين باستطراده الذي قال فيه بعد الحديث عنهم: إنه كلما أنكرنا حقوق الناس الأساسية شجعنا التطرف. ولكن بغض النظر عن غضب الإخوان من د.البرادعي أو رضائهم عنه فإن الموضوع الذي بالفعل يستحق التوقف هنا أمامه هو تلك المحاولات المستمرة للدكتور البرادعي لخطب ود الاخوان واستمالتهم.. فتكرار هذه المحاولات يشي بأن الدكتور البرادعي مقتنع بأن ذلك أمر ممكن الحدوث.. ولا شك أن هناك ممن تحلقوا حوله هم الذين أقنعوه بذلك، علي اعتبار أن الإخوان يملكون أصواتاً انتخابية قد يحتاجها د.البرادعي عند خوض المنازلة الانتخابية الرئاسية. إلا أن تجارب القوي السياسية علي اختلاف مشاربها تؤكد كلها أن الإخوان لايمنحون تأييدهم لأحد، إنما يحتفظون بما لديهم من أصوات انتخابية لأنفسهم ولمرشحيهم سواء في انتخابات النقابات أو الانتخابات البرلمانية.. وعندما يدعمون أحداً انتخابيا في إطار تعاون تكتيكي سوف يكسبون منه، فإن هذا الدعم يكون بقدر، وقدر محدود.. فالإخوان يرفضون التحالف انتخابيا مع أي قوي سياسية وحزبية وإن استفادوا فقط من حزبي العمل والوفد لدخول البرلمان. أما الأهم فإننا لا نفهم أن يطرح د.البرادعي وهو العلماني المؤيد للدولة المدنية فكرة التعاون مع جماعة دينية.. قد يقول قائل إنها البراجماتية السياسية التي دفعت الأمريكان أنفسهم للتحاور مع جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الدينية الراديكالية وهذا مفهوم.. لكن غير المفهوم أن يتحمس البرادعي للتعاون مع الإخوان سياسيا. أفهم أن يطالب د.البرادعي الإخوان أولا بالوفاء ببعض المطالب قبل أن يبدي استعداده وحماسه للتعاون السياسي معهم.. وفي مقدمة هذه المطالب أن يتخلص الإخوان من هذه الثنائية التي مازالوا يتمسكون بها ثنائية الجمع بين الدين والسياسة في جماعة واحدة، وثنائية الجمع بين العمل السري والعمل العلني وثنائية الجمع بين ما هو وطني وما هو عالمي. لا يصح أن تتعامل جماعة سياسية علنية مع جماعة أخري تخلط السياسة بالدين أو تجمع بين العمل السري والعلني، والأخطر لها امتداد خارج الوطن. وقبل ذلك كله يجب أن يتبرأ الإخوان من أي عنف مارسوه من قبل خلال تاريخهم الممتد من العقد الثالث من القرن الماضي. وأظن أن د.البرادعي المتحمس لدولة مدنية يجب ألا يتورط في تحالفات تقوده إلي دولة دينية.