في عالم شبه واقعي شبه أسطوري، يزخر بالصراع بين قوي مختلفة، تنتمي لعوالم مختلفة، تغلفه غوامض الطبيعة والخرافات والعادات المتأصلة في التراث، نابض بسخونة الأرض، والحيوانات، والرغبات الجسدية المستترة، ولحظات ومشاعر الحب الإنسانية الصافية، تحملنا رواية "الوباء" بين صفحاتها وأحداثها، لتحيطنا بشخصيات غريبة، مأساوية، ساخرة، ضاحكة تجسد كل تناقضات حياة تضرب بجذورها في تاريخ قديم. عن هذه الرواية التي تحمل الرقم «ثمانية» في سلسلة أعماله الروائية، بالإضافة إلي سيرة ذاتية صدرت في جزئين، حاورنا الأديب الدكتور شريف حتاتة، الذي أبدي تقبلا ورضا واضحاً لما يمكن أن يعتبره البعض تجاهلا نقديا لأعماله قائلا: قرأت عن روايتي مقالاً للناقدة أمل الجمل في جريدة الحياة اللندنية، بالإضافة ظريف جدا لمقال ظريف جداً للناقد العراقي صادق الطائي وهو كاتب يعيش في النرويج علي موقع اسمه "رؤية"، وأعجبني مقاله جدا، بالإضافة إلي بعض الندوات التي عقدت لمناقشة الرواية. هل تعتبر هذا تجاهلا من النقاد لأعمالك؟ - بشكل عام أي عمل يكتب عنه حاليا مقال أو اثنين أو ثلاثة علي أقصي تقدير، وتيرة الحياة أصبحت سريعة جدا، والنقاد ليسوا متفرغين لدراسة الكتب ومتابعتها بدقة، فهم يجرون في اتجاهات مختلفة لتحقيق مكاسب مادية أكثر، إلي جانب أنني لست من الكتاب الذين يتم الاهتمام نقديا بأعمالهم. لماذا؟ - لأنني لفترات طويلة من حياتي كنت منهمكا في العمل السياسي، وبدأت الكتابة في مرحلة متأخرة، وأعتقد أن اتجاهي السياسي لا يعجب النقاد، وقليلون جدا لديهم الجرأة للكتابة عن روائي معروف عنه سياسيا أنه يساري، وبشكل عام أنا بمرور الوقت أصبحت أثق في كتاباتي، وأعرف أنني أخوص في مجالات جديدة في كل رواية من الروايات، وأهم شيء هو ما أسمعه من القراء، سواء ممن أقابلهم صدفة، أو في الندوات، كلامهم يرضيني إلي حد كبير. اسمح لي، هناك كتاب كثيرون محسوبون علي اليسار يتم استقبال أعمالهم بحفاوة بالغة. الأدب في بلدنا مثل أي مكان في العالم، الروائي لا تحمله جودة أعماله فقط، إنما قوي اجتماعية معينة، منها الناشر والناقد والإعلام والصحافة، وهي وسائل نشر وترويج لن تهتم بأي كاتب مهما كان، إلا في وجود مجموعة مهتمة بهذا الكاتب. لا يوجد كاتب في العالم يستطيع السير في طريق الأدب بمفرده "لازم حد يسند"، في هذه الحالة عادي جدا أن يتم تقديمك باعتبارك روائيا كبيرا، وهذا ليس له علاقة بكونك كبير فعلا أم لا، يوسف إدريس نفسه وأنا أحبه جدا، وأراه من أفضل الكتاب الذين أنجبتهم مصر، سانده اليسار بقوة في فترة من فترات حياته. ولماذا لا يساندك اليسار رغم كونك من نفس التيار؟ - لأنه ضعيف، وأنا بحكم تركيبتي الشخصية لست علي استعداد لشراء هدايا لناقد كي يكتب عني،ولست مستعدا لإقامة حفلات ،أعزم فيها نقادا، لا أستطيع ورأيي إن هذا ضد الإبداع..وعموما أنا بحكم مثابرتي علي الكتابة، أصبح هناك اهتمام بأعمالي إلي حد ما. حفلت الرواية بأجواء أسطورية وخيال يشبه إلي حد ما أجواء أدب أمريكا اللاتينية؟ - الأساطير والخرافات، جزء من حياة وتاريخ الشعوب، الأساطير تحديدا لها في أحيان كثيرة معان عميقة ومهمة لكن الخرافات طبعا مشكلة كبيرة، لأنها أحيانا كثيرة تلغي العقل والوعي، وأنا بحكم ارتباطي الوثيق وزياراتي لقريتي في الغربية، منذ أن كان عمري خمس سنوات، أعيش جزءا من الأساطير، الآن مر 82 عاما وأنا أتردد باستمرار علي القرية، وممكن جدا أكون تأثرت أثناء الكتابة، بأدب أمريكا اللاتينية، هذا شيء طبيعي، هناك تأثير بمرور الوقت يصبح جزءا من تكوين الإنسان، وبدون وعي، أيضا أنا متابع جيد للتطورات السياسية الموجودة في العالم، وعلاقتها بالتغييرات التي حدثت في المجتمع، لابد أن يكون لدي الكاتب حد أدني بالتطورات التكنولوجية التي تحدث في العالم، خصوصا أن دول العالم أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا ببعضها، وإذا كنت تقصد بالخيال وجود سيارات تتحرك جوا وبحرا بالهيدروجين، فهذا جائز جدا يحدث في المستقبل القريب، أنا رأيي أنه من الطبيعي أن يلجأ الكاتب للخيال لكي يتجاوز الواقع ويطوره. لماذا اخترت النقد اللاذع والسخرية أسلوبا في كتابة هذه الرواية؟ - لم اختر، ودائما لا أقرر عندما أبدأ في الكتابة أن أكتب بأسلوب معين، ولا أضع خطة للعمل، رغم أنني لست ضد هذا، وغالبا الكتاب في الغرب يضعون خطة للكتابة، الرواية قبل أن أبدأ في كتابتها تكون عبارة عن جنين في طور التكوين، أو فكرة وليدة تجارب مختلفة، عشت أحداثاً، علاقات وصداقات، وتظل الفكرة تنمو تدريجيا، وعندما تتبلور وأجد لدي الرغبة في كتابتها، أبدأ أولا في رسم الشخصيات، وبمرور الوقت تستقل الشخصيات عني، وتقوم بتصرفاتها وفق منطقها الخاص، لكني بالفعل تحررت من نفسي في هذه الرواية، وأعتبرها رواية مختلفة، وأنا نادرا ما ألجأ للسخرية أو الهزار. استغلال الدين لتحقيق مكاسب كان واضحا في حياة شخصيات الرواية؟ - نعم، الدين فيه جانب تحرري، يساعد الناس علي أن تفكر وتعمل، سيدنا محمد قال "الدين المعاملة"، ودي مقولة الناس بتنساها، لكن هناك اتجا دينيا آخر متعصباً، متطرفا وإرهابيا، وكثير جدا من التيارات الدينية الموجودة في العالم مرتبطة ارتباطا وثيقا برءوس أموال كبيرة، وهناك عدد كبير جدا من التيارات، أو الشخصيات الإسلامية موظفة فلوسها بره، قصدت أن هناك من يعلي الجانب الإنساني في الدين، وهناك من يتربح من وراء الدين، ويضحك علي الناس. ألا تري أن الصراع الذي حفلت به الرواية بين الشرق والغرب يمثل فكرا سياسيا بالرواية؟ - مقولة الفن للفن انتشرت جدا مؤخرا، وهناك أديب شاب لا أذكر اسمه حاليا كتب أو قال ل"أخبار الأدب" إنه ب"يخلع" عباءة السياسة عندما يكتب كما يخلع المصلي حذاءه، وهذا في رأيي موقف سياسي غير مقصود، لا يوجد من ليست لديه وجهة نظر، وكلمة أيديولوجيا عندما نحاول فهمها ببساطة سنجدها عبارة عن موقف الإنسان من مختلف القضايا في حياته، بمعني أنني لو لم أرض عن إدارة النادي فسيكون هذا سياسة، والكلام حول الفن للفن، وما إلي ذلك في رأيي مغالطة كبير ومحاولة للتنصل. ما سبب اتجاهك للأدب؟ - عندما خرجت من السجن، لم أكن راضيا عن وضع الأحزاب، بما فيها "التجمع" الذي انضممت له، ولم أشعر أنه بطريقتي ونظرتي ورؤيتي للأمور، ممكن أن ألعب الدور الذي أريده، وفي نفس الوقت، من فترة طويلة وأنا أداوم علي قراءة الأدب لأني أحبه، فوجدت نفسي ممكن أكتب، وبالفعل كتبت أول رواية عن تجربتي في السجن، وصدرت تحت عنوان «العين ذات الجفن المعدني»، ومن خلال الأدب اكتشفت عالماً بهرني، ووجدت أنني أستطيع من خلاله التعبير عن أفكاري، وعن حياتي، إلي جانب تأثيره في الوجدان وعلي الناس.