أتابع بحكم اهتمامي بقضايا المواطنة ما يثار حول علاقة الدين بالمواطنة.. خاصة في ظل كل ما يتعلق بعلاقة المناهج التعليمية بالمواطنة. ومؤخراً شاهدت برنامج (مع الناس) الذي تقدمه رولا خرسا علي قناة الحياة حيث ناقشت الحلقة مناهج التربية الدينية مع الشيخ إبراهيم رضا والقمص صليب متي ساويرس والأستاذ حافظ أبو سعدة. قال الشيخ إبراهيم رضا بوضوح أن هناك أخطاء في المناهج الدينية تستدعي ما أعلنه د. أحمد زكي بدر (وزير التربية والتعليم) من أهمية تعديل تلك المناهج بمبادئ تتفق مع منظومة المواطنة المصرية لأن بها ما يمكن أن يكون ضد الاختلاف وضد التنوع. وهو ما أكده أيضاً الأستاذ حافظ أبو سعدة مستنداً إلي الدراسات التي قام بها المجلس القومي لحقوق الإنسان. وقال القمص صليب متي ساويرس أن مناهج التربية الدينية المسيحية ليس بها شئ.. حيث يقصد ليس بها ما يسئ للمسلمين في مصر، وليس بها ما يشجع علي رفض الاختلاف. وهو كلام صحيح، ولكنه يمثل نصف الحقيقة.. لأن مناهج التربية الدينية المسيحية ليس بها ما يشجع علي الانتماء وعلي المشاركة السياسية وعلي التفاعل المجتمعي، وهو ما يعني أن هذه المناهج ضد الاشتباك مع الواقع اليومي للمجتمع المصري. وبالتالي، فهي في تقديري توازن الكفة مع مناهج التربية الدينية الإسلامية التي تدعو لعدم قبول الاختلاف. والمحصلة في النهاية أن كليهما بأسلوبه ضد المواطنة. أثير في حلقة برنامج (مع الناس) موضوع إجبار الأطفال والتلاميذ المسيحيين المصريين علي حفظ آيات القرآن الكريم، وفي الوقت نفسه لا توجد آية واحدة من الكتاب المقدس يحفظها التلميذ المسلم المصري. ولا أخفي أنني أنزعج من مثل تلك الأفكار التي تكرس الدولة الدينية علي اعتبار أنه يجب عمل توازن ملحوظ بين القرآن الكريم والكتاب المقدس في المناهج التعليمية.. وكأن ذلك هو المفتاح السري لنبذ التطرف والطائفية من المناهج التعليمية. أتذكر أنني أثناء دراستي.. لم تكن الآيات القرآنية في اللغة العربية تسبب لنا أي مشاكل، بل وكنا ندرسها علي اعتبار أنها إحدي الوسائل لإتقان اللغة العربية وتحسين لغتنا، كما أذكر أن تلك الآيات كانت تضمن قيماً ومبادئ عامة بعيداً عن فكر الاستبعاد والتهميش. أما الآن فيتم اختيار آيات صعبة النطق والفهم علي الأطفال.. ويمكن الرجوع لمنهج الصف الثالث الابتدائي كنموذج علي ذلك. المشكلة ببساطة ليست في وجود آيات القرآن الكريم، ولكن فيمن يختار الآيات بشكل محدد، ويفسرها طبقاً لهدف الاختيار لتشكيل وجدان أطفالنا بشكل عشوائي متشدد ومتطرف علي الجانبين.. التلميذ المسلم المصري الذي يقرأ أن زميله المسيحي المصري كافر، والتلميذ المسيحي المصري الذي يشعر بالقهر والإهانة بدون أن يستطيع أن يعترض. المشكلة - إذن - فيمن يقوم بتوظيف الدين لنشر أفكاره البغيضة.. ففي أي الأحوال فإن آيات القرآن الكريم والكتاب المقدس هي مع المواطنة.. طالما تم تفسيرها بدقة بدون تأويلها سياسياً وتوظيفها