التعليم هو أحد أهم مدخلات الأمن القومي المصري بمفهومه الشامل. كما أن التعليم هو الأداة الحقيقية التي كانت تشكل الهوية الوطنية المصرية والتي تساهم في غرس مفاهيم الانتماء للوطن. والتعليم كان هو البوتقة التي تنصهر فيها ومن خلالها الشخصية الوطنية. كما أنه للصراحة وللأمانة فالآن وبشكل عام أصبح التعليم وللأسف الشديد هو معمل تفريخ لا نقول للمتطرفين ولكن علي أقل تقدير لتخريج طالب لا يتسامح ولا يحب الآخر ولا يتقبله. وذلك لأسباب موضوعية وواقعية ولممارسات طائفية تتم سواء بقصد وبنية مبيتة للبعض أو مسايرة لمناخ طائفي عام فرض سلوكًا طائفيًا جعل الجميع يسايره ويسير وراءه تأثرًا بما يسمي بسياسة القطيع. وبالرغم من أن مدخلات ذلك المناخ الطائفي لا تقتصر علي التعليم والمدرسة فقط ولكن هناك الإعلام بكل وسائله وأيضًا الخطاب الديني الطائفي الإسلامي والمسيحي وغير ذلك. ولكن تكمن أهمية المدرسة أنها تتعامل مع التلميذ من الابتدائي حتي الثانوي ومن خلال التزام بوقت وانتماء بشكل أو بآخر بالمدرسة والأهم بالمدرس. الشيء الذي يجعل المدرسة والمدرس هما أهم أدوات مؤثرة في تكوين الشخصية بشكل عام. ولا يوجد أحد منا لا يتذكر مدرسًا تأثر بشخصية وأثر في تكوينه. كما أن المناهج التي نطلق عليها «مسمي ديني» فهي ليست وحدها التي تؤثر سلبًا علي تكوين الشخصية الوطنية باستبدالها بالشخصية الطائفية وذلك ليس لاختيار تفسير النص الديني الذي يرفض الآخر ولا يقبله. ويمكن أن يكون ذلك مرتبطًا بظروف النص من حيث المحادثة التي نزل النص من أجلها والمكان والزمان المرتبط به. ولكن الأهم هو استغلال تفسير النص لتكريس مفهوم خاطئ يرفض الآخر ويكفره. هذا يتم في إطار استغلال العاطفة الدينية وأيضًا في إطار استغلال النص في غير ما جاء وما يقصد ليس هذا وحده فالأهم هو المناخ العام الذي أصبح يسود المدرسة ويسيطر علي اليوم الدراسي برمته. والذي يبدأ بما يسمي طابور الصباح والذي أصبح الآن يسوده طابع ديني بعيدًا عن القواعد الوطنية. فطابور الصباح وفي جميع مدارس جمهوريتنا ودون استثناء لابد أن يشمل آيات قرآنية تتلي تجويدًا وأحاديث نبوية تقرأ وهذا ليس عيبًا بل مطلوب. ولكن يجب أن يشمل الطابور أيضًا بعض الحكم المسيحية وبعض النصوص الإنجيلية وذلك حتي لا يشعر الطالب المسيحي أن المدرسة ليست مدرسته وأن المدرس لا صلة له به. لذا يهاجر هذا الطالب ويسعي للانتماء للكنيسة في مقابل المدرسة والوطن بكامله. كما أن هذا السلوك يكرث لدي الطالب المسلم عدم الإحساس والقبول بأن هناك آخر يشاركه المدرسة والوطن فيشب ذلك الطالب لا يشعر بغيره. وهذا بلا شك طامة كبري علي الوطن ومرض عضال يصيب الانتماء إليه، ناهيك عن نشيد الله أكبر ثلاث مرات قبل تحية العلم. كما أن هذا الحشد الطائفي المساير لذلك المناخ الطائفي لون المدرسة ومناخها العام بلون طائفي فلا يوجد فصل دراسي أو مكتب إداري أو حجرة النشاط بكل أنواعه إلا وكان هذا المكان مغطي بآيات قرآنية وأحاديث وتراث إسلامي. وهنا ولله الحمد فلست بطائفي أي أنني لا أتأثر بهذا علي المستوي الشخصي ولكن هذا في إطار رصد الواقع لتحليله. وهنا يفرض علينا هذا الواقع علي أن ننتبه جيدًا أن المدرسة والتعليم ليس مكانًا لتعليم العقيدة ولا لتثبيت الدين ولا لتخريج مواطنين دينيين ولكن هذا هو دور المسجد والكنيسة. ولأننا مجتمع متدين بالطبيعة وبالتاريخ فلذا يمكن أن تكون هناك مبادئ عامة وقيمة دينية تتصل بالمقاصد العليا للأديان وأهمها المحبة والتسامح وقبول الآخر وأيضًا كل ما جمعنا ويوحدنا بعيدًا عن أي شيء يفرقنا ويعددنا. وهنا نأتي للأهم وهو المدرس تلك الشخصية التي وضعت علي عاتقها مسئولية تعليمية كبري وتربوية هامة بل مهمة أخلاقية وإنسانية. لأنه لا منهج ولا تعليم ولا تقدم بدون ذلك المعلم المثقف المتدرب والواعي والمدرك والوطني والمنتمي حيث إن المعلم الحائز والمالك لكل تلك الصفات سينقلها بالطبع إلي ذلك التلميذ الذي نأمل أن يكون أيضًا حاملاً لتلك الصفات وبهذه القيم. كما أن الممارسة الديمقراطية بشكلها العملي واليومي داخل المدرسة والفصل تكرس بشكل غير مباشر قيمة قبول الآخر. وبالطبع قبل كل ذلك ومن خلال واقع التعليم وحتي يكون ما نريد موضع التطبيق لابد من إعادة الانضباط للمدرسة وللطالب بل لهيئة التدريس. أما ما أثير حول دور المفتي والكنيسة في تنمية المناهج الدينية والنظر في مادة الأخلاق، نقول أن هذا بلا شك مهم ومطلوب بل تأخر كثيرًا، ولكن لابد أن نعي أن التعليم والمناهج ليست مهمة الأزهر والكنيسة وحدهما بل المجتمع كله حتي لا نكون كمن يناقض نفسه نحاول إحداث التوازن ونمارس ما يناقض ذلك خاصة أن الأزهر والكنيسة مطالبان بتغيير خطابهما الديني الآن. وكل هذا لن يكون بعيدًا عن تلك الجماعات المتطرفة التي تتعامل مع الشكل بعيدًا عن المضمون أو تلك التي تطلق التصريحات الجميلة الجذابة وفي ذات الوقت نري علي مستوي السلوك والممارسة ما يناقض ذلك. فهناك من يرفض تنقية المناهج ويرفض تدريس مادة الأخلاق لأنهم يريدون إبقاء الحال علي ما هو عليه لمصالحهم السياسية ولتطلعاتهم الشخصية. وهنا نقول إن التعليم ليس هو مسجداً أو كنيسة والتعليم لكل المصريين مختلفي الأديان. والتعليم هو مصدر أساسي لتكوين الشخصية المصرية الوطنية ولا يجب أن يكون بؤرة تكوين الشخصية الطائفية المنغلقة والرافض للآخر. ولذا فالمهمة هامة وتستحق الصلابة ودفع الثمن فلا تهاون مع إصلاح التعليم وإعادته للهوية الوطنية لأن هذا هو الأمل لإرجاع الانتماء للوطن.