حلم الثراء السريع يتحول إلي سباق للموت البطيء.. وهوس التنقيب عن الآثار، يحول الباحثين عن الكنوز الأثرية إلي ضحايا يحفرون قبورهم بأيديهم. ضحايا الهوس بالكنوز الأثرية يتساقطون .. يتزايدون .. فالمسألة تحولت إلي ظاهرة تجتاح عدة قري ومدن علي مستوي الجمهورية..عمال بسطاء.. ومزارعون فقراء.. وقعوا ضحية دجالين وتجار ولصوص.. .. دفعوا حياتهم ثمنًا لاستخراج الكنز.. فاستخرج أهاليهم جثثهم بدلاً منه. «روزاليوسف» نقلت مشاهد آخر مآسي الهوس بالآثار في قرية «البراني» بالفيوم التي فقدت اثنين من أبنائها مازالا تحت الأنقاض بحثا عن كنز مزعوم، وتتبعت أنفاق الوهم. الطريق إلي مكان الحادث استلزم ذهابنا إلي مدينة طامية، وعندما وصلنا للمدينة التي تبعد عن القرية 28 كيلو مترا اكتشفنا أن وسيلة المواصلات الوحيدة إلي موقع الحادث هو الموتوسيكل. غياب طريق ممهد يمنع السيارات من الوصول إلي «البراني»، وأثناء سيرنا ب«الموتوسيكل» مرورًا بمرتفعات ومنزلقات الصخور شاهدنا مئات المنازل الريفية القديمة التي يظهر عليها فقر أصحابها معظمها بالطوب اللبن اقيمت بعشوائية وسط الزراعات، وأخبرنا سائق الموتوسيكل بأن هذه القري يتردد عليها باستمرار لصوص الآثار والباحثون عن كنوز الفراعنة وأن هناك مناطق تشتهر بذلك خاصة المناطق المجاورة لمنطقة جبل الصاغة الأثرية، وعادة ما تحدث صراعات دامية بين مافيا الآثار وأهالي هذه القري. مشهد مأساوي مشهد مأساوي كان في انتظارنا بمجرد وصولنا لمكان الحادث بقرية «البراني» فمئات الرجال والنساء يلتفون حول حفرة عميقة غمرتها المياه نظرًا لوقوعها بجوار ترعة، البعض منهم ينتظر في حزن وذهول استخراج جثث أقربائهم، والبعض الآخر مازال شاردًا يحدوه الأمل في استخراج الكنز الأثري المزعوم! شقيق العاملين المدفونين تحت الأنقاض وهو أحمد صابر كامل روي لنا تفاصيل الحادث بقوله: عرض صاحب أحد منازل القري ويُدعي عبدالتواب السيد علي أخوي خميس ومسعد العمل معه في حفر بئر للحمام أسفل منزله، ولكنهما فوجئا بأن هناك دجالا وتجارا وخبراء للآثار يتابعون عمليات الحفر وأقنعوهما بوجود مقبرة فرعونية بهذا المكان وسوف يصبحان أغنياء فور استخرجه بعد حصولهما علي نسبة 10% من قيمة الكنز. 50 عاملاً ويكمل أحمد - الذي يعمل في سوبر ماركت بالقاهرة: ونظرًا للظروف الصعبة اضطر مسعد وخميس للاشتراك في هذا العمل الذي تم تقسيمه بين 50 عاملاً تم جمعهم من الحقول الزراعية مقابل 70 جنيهًا كأجر يومي بالإضافة لنصيبهم من الكنز، ثم قسم العمل بحيث يقوم خمسة عمال بالنزول داخل النفق والباقون يقومون بسحب الصخور والرمال لأعلي، مستخدمين في ذلك معدات حفر بدائية. ويكشف أحمد أن التجار والدجالين وأصحاب المنزل يعملون في الحفر منذ 8 شهور وكانوا يستخدمون أجهزة إلكترونية يكشفون بها عن أماكن الآثار ولديهم جهاز يشبه الكمبيوتر وموصل به جهاز آخر متصل به يضعونه علي الأرض ليعطي إشارات مكتوبة باللغة الإنجليزية تظهر علي شاشة الجهاز. وقال: بعد الوصول إلي أعماق ضخمة بباطن الأرض وصلت إلي أكثر من 30 متراً توصلوا إلي سرداب طويل ولكنه يحتاج إلي توسعة حتي يتمكنوا من المرور به وفور تساقط الصخور والرمال بسبب تسرب المياه من الترعة المجاورة له هرب الدجال وجميع العمال وبقي خمسة أفراد نجا منهم ثلاثة ولاذوا بالهروب خارج القرية، ومازال شقيقاي تحت الأنقاض. جهود الإنقاذ فشلت في حفر وإزالة الصخور والرمال بسبب عدم وجود معدات كافية، وبعد مرور ثلاثة أيام -كما يؤكد أحمد صابر كامل - سرت شائعات قتل شقيقيّ لتثير غضب العائلة، كما أن عدم استخراج جثتيهما يشعل الفتنة والأخذ بالثأر من عائلات العمال الذين شاركوا في الحفر لأنهم قتلوا أخوتي ليستحوذوا علي الكنز الذي توصلوا إليه. خروج المقبرة التقينا أيضا مع حسام عبدالتواب السيد 38 سنة عامل من أهالي القرية الذي ينتظر خروج المقبرة الفرعونية ليأخذ نصيبه لأنه يري أن هذا حقه رغم أنف الجميع. مؤكداً أن هناك العديد من الأهالي يترقبون الموقف وأثناء العثور علي الكنز سيظهرون ليأخذوا نصيبهم. حسام يؤكد أن هذه الأماكن تنتشر بها المقابر الأثرية وقد عثر العديد من المواطنين في السنوات الماضية علي قطع أثرية وغادورا القرية وتركوا منازلهم خاوية تسكنها الأشباح بعد انهيارها نتيجة الحفر والتنقيب. عاطف الفيومي 25 عاماً سائق يقول إن الناس كلهم «بتحلم بالثراء» من الآثار، ويشير إلي أن عمليات التنقيب والبحث تحتاج إلي خبراء متخصصين في ذلك لأنهم يملكون وثائق تاريخية وخرائط تحدد الأماكن التي بها أثر والأهالي يستعينون بهم من خارج القرية، كما أن الخبراء يعرفون جيداً أن محافظة الفيوم منجم آثار وما يؤكد ذلك مئات القطع الأثرية التي تم ضبطها مع مواطنين في العديد من قري مركزي إطسا وطامية. الأراضي الزراعية لم تتوقف جولتنا عند «البراني» ولكن امتدت لتصل للعزب والنجوع المجاورة والتقينا مع شهود عيان شاهدوا وقائع حقيقية للتنقيب عن الآثار، والتقينا بشاب يدعي ثابت - عامل زراعي - والذي أشار إلي أن هناك أشخاصا غرباء عن نجع «اللهيب» يحضرون للبحث والتنقيب عن الآثار ويوهمون أصحاب الأراضي الزراعية والمنازل التي يحددونها بوجود كنز أثري وينخدع أصحابها ويقومون بدفع تكاليف باهظة ثمن أجرة العمال وأدوات الحفر أملاً في الوصول إلي كنوز الفراعنة.