في الدرس الأول من دروس الإعلام والاتصال الذي يدرسه طلاب الإعلام ودارسوه، تتم الإشارة إلي أن "الإعلامي" أو "القائم بالاتصال" هو في غاية الأمر "وسيط"، ويجب علي هذا الوسيط أن يكون "أميناً" في العرض، "محايداً" في الاتجاه.. وإلا تحول هذا "الوسيط" إلي طرف، وتحول هذا "المحايد" إلي "صاحب وجهة نظر"، وتحول هذا "الأمين" إلي "صاحب مصلحة".. وفي عملية التحول هذه يفقد القائم بالاتصال مصداقيته، وموضوعيته، ويصبح "متهماً" في رأيه.. وحتي وقت قريب، كان الإعلاميون، خاصة من يعمل منهم في مجال الإذاعة والتليفزيون، يلتزمون بهذه القاعدة، ويحرصون علي تأكيدها.. غير أن الأمر تحول في السنوات الأخيرة، وأصبحت هذه القاعدة غير متبعة... وإن اختلفت الأسباب والتبريرات التي يسوقها هؤلاء الإعلاميون لتبرير ذلك.. حيث يشير البعض منهم إلي أنهم ليسوا "صفحة بيضاء" ولكنهم مثقفون ولهم رأي.. ويشير البعض الآخر إلي أنهم بالفعل أصحاب موقف ورأي يحبون التعبير عنه وإشهاره.. ويشير البعض إلي أن الحيادية تفقد الإعلامي مذاقه وتحوله إلي "مجرد قاريء نشرة"، أو "فم ناطق غير متصل بالعقل" ، وغيرها من التبريرات. يوم السبت الماضي (24 أبريل) قام أحد مقدمي برامج التوك شو المسائية بتحليل خطاب الرئيس مبارك بمناسبة عيد تحرير سيناء.. وأسهب المقدم (أو المقدمة) في توضيح الرسائل الظاهرة والباطنة في خطاب السيد الرئيس، وفي تحليل المنطلقات الفكرية، والأطر السياسية الحاكمة لهذا الخطاب.. وبالطبع ليس لدينا اعتراض علي هذا التحليل لو كان صادراً من خبير سياسي، أو من دارس أكاديمي يمتهن هذه المهنة ، أما أن يتطوع المقدم (أو المقدمة)، ويدخل نفسه في هذه الدائرة بدون دراسة كافية ، وبدون تعمق في أساليب تحليل المضامين السياسية وأسس قراءة الخطاب السياسي فهذا لم يكن مقبولاً علي الإطلاق، خاصة وأن هذا التعليق كان شخصياً إلي حد كبير ، وغير علمي علي الإطلاق.. الغريب، أننا عندما نستعرض طريقة أداء النماذج العالمية الشهيرة في تقديم برامج التوك شو لا نجد ما نجده في برامجنا المصرية.. فمن يتابع برنامج لاري كينج علي سبيل المثال، ومن قبله أسطورة الإعلام الأمريكي والتر كرونكايت، يجد أن هؤلاء المحترفين كانوا أقرب إلي الحيادية والموضوعية، ولم يكونوا "محللين"، أو "معلقين" علي الأحداث مثلما يفعل مذيعونا حالياً... كما أن رواد العمل الإعلامي المصري من أمثال: أمين بسيوني، وفهمي عمر، وحلمي البلك، وحمدي الكنيسي، وعمر بطيشة وغيرهم كانوا قامات ثقافية وإعلامية، ورغم ذلك كانوا محايدين إعلامياً، ووسطاء أمناء... أيها المذيعون المشتغلون بمهنة التحليل والتعليق: لكم الاختيار: إما التقديم الموضوعي والمحايد، وإما التحليل والتعليق ولكم الحق في الميل والهوي!!!