حياة حافلة بالعطاء المحترم وتخيم عليها سحابات الرضاء وتغمرها نسمات المحبة، أسدل عليها الستار في الثاني والعشرين من أبريل سنة 1982، ذلك اليوم الذي فقد فيه الفن المصري ممثلا عملاقا ومعلما حكيما، اسمه عبدالوارث عسر. عاش إلي أن تجاوز التسعين ولا يملك من يراه في المسرح والسينما والتليفزيون ومن يسمع صوته الرخيم الرزين في الإذاعة، إلا أن يشعر بارتياح يغمره، أما الذين يرصدون ما تحفل به حيوات بعض نجوم التمثيل من سخافات وتجاوزات، فإنهم يضربون المثل بعبدالوارث، تدليلا علي المزيج الجميل من الثقافة والاحترام والجدية وبرهانا علي أن الفساد لا يقترن بالفن في ذاته، لكنه - مثل كل مهنة أخري - يوجد في شرائح منها دون أن يكون حتميا. الأغلب الأعم من أدواره ثانوية هامشية، والمفهوم هنا ينصرف إلي مساحة وحجم الدور، لكن الفنان المتمكن بحضوره وتوهجه يرتقي إلي منافسة نجوم الشباك والتفوق عليهم، وقد ازدحم فيلم «شباب امرأة» بكتيبة من اللامعين وفي الطليعة منهم تحية كاريوكا وشكري سرحان وشادية وسراج منير وفردوس محمد، لكن عبدالوارث هو من جسد الشخصية الأكثر صعوبة وبرع في التعبير عن نمط من العشاق المنسحقين المستسلمين دون مقاومة ثم ينتفض مشحونا بالتراث البغيض الذي يسكنه، متخلصا من أسر طال ولم يعد تحمله ممكن. يذكر لعبدالوارث عسر أنه علم أجيالا فن الإلقاء وقدم دروسا في منهجية التعامل مع اللغة والتحكم المحسوب في الايقاع فنان عملاق في أدائه والتزامه وإنسان طيب في حياته التي تنأي عن العواصف والأكاذيب، عاش راضيا قنوعا ورحل في هدوء يليق بالعظماء الذين يترفعون عن كل ما هو سطحي لا عمق له. قامة شامخة وقيمة محترمة ومدرسة جليلة تستحق التقدير فأين هو من الأدعياء الذين يفسدون الفن ويشوهون رسالته وجلاله؟