بعد زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977 نشط المثقفون المصريون ضد الزيارة وضد التطبيع مع العدو وتكونت لجنة من خيرة الكتاب ذلك الوقت ومن كل الأجيال كنت انا واحدا منهم سميت بلجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية. ضمت هذه اللجنة أسماء كثيرة من كل مجالات الكتابة. مسرح وسينما ونقد وأدب وتليفزيون وصحافة وتعليم وكان علي رأسها المرحومة الدكتورة لطيفة الزيات. وكانت اجتماعات هذه اللجنة تتم كل يوم أحد بحزب التجمع. كانت لجنة جبهوية أعضاؤها من كل الاتجاهات وكان التجمع مجرد مكان لها فقط وأن كانت الحقيقة أن اغلب أعضائها ينتمون لليسار بشكل أو بآخر. نشطت هذه اللجنة جدا بعد عام 1979، أي بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد. وكان أبرز أعمالها الدعوة إلي مقاطعة الوجود الإسرائيلي بمعرض الكتاب. لقد قبض علي أعداد كبيرة من أعضاء هذه اللجنة حتي عام 1985 وتغير وضع وزارة الثقافة مع تولي الفنان فاروق حسني ولم تعد إسرائيل ضيفا علي المعرض. الذين قبض عليهم أكثر من مرة من أعضاء هذه اللجنة كثيرون خاصة أنها لم تكن معنية بالمقاطعة لإسرائيل فقط ولكن للسياسة الساداتية كلها. تغيرت الظروف وانفرط عقد اللجنة وتراخت الأحزاب وهدأت المعارضة لكن ظلت مقاطعة إسرائيل موضوعا ساخنا وسوف يظل كذلك. بين الحين والحين ينفجر الموقف بسبب ترجمة كتاب إسرائيلي مثلا أو ترجمة كتاب عربي، حضور مهرجان فيه إسرائيل أو عرض فيلم إسرائيلي. ولاحظت أنا من خبرة الوجود في الحياة الثقافية أن اسهل شيء هو رفع شعار المقاطعة وخاصة ممن لا يكون لهم علاقة بالموضوع من قريب أو بعيد. وهم غير الذين لا يتغير موقفهم من هذه المسألة. ولاحظت أن المسالة كثيرا ما تتحول إلي اتهامات من المقاطعين أو المنادين بعدم التطبيع للذين ألقي بهم سوء الحظ في طريق التطبيع. ورغم أنني من حزب المقاطعين للتطبيع إلا أنني كثيرا ما يكون في فمي ماء ولا استطيع الحديث. هذا الماء سببه أن إسرائيل دولة قائمة ولا تتنازل أبدا عن شيء للفلسطينيين. هذه حقيقة واضحة، وأن مقاومة التطبيع هو آخر ما يملكه المثقفون العرب وأقوي ما تمتلكه الشعوب العربية الآن بعد أن ابتعدت حكوماتها عن قضية فلسطين وتقريبا نسيتها لكن هناك في إسرائيل نفسها قوي تعارض السياسة الإسرائيلية من الكتاب والفنانين أيضا ومن بينهم المخرجة التي قامت القومة الأخيرة ضد المركز الفرنسي بسببها. لقد كنت من أوائل الذين وقعوا علي بيان المثقفين ضد المهرجان. هذا حتي لا أفاجأ بفهم خاطئ لما أكتب ولما أريد أن أقول، وهو هل يمنعنا التطبيع عن فهم عدونا. وهل فهم عدونا لابد أن يتم عن طريق التطبيع. هذا سؤال مهم جدا أطرحه علي اتحاد الكتاب المصريين وعلي النقابات الفنية للمناقشة. خاصة أن إسرائيل ستظل تقريبا إلي الأبد لا تعطي الفلسطينيين حقوقهم. وسيزداد هذا الأبد مادامت النظم العربية تتراخي في القضية الفلسطينية. ما هي الطريقة التي تجعلنا نعرف ماذا يدور في عقل ووجدان الإسرائيليين دون أن نقع في فخ التطبيع؟ هل نسوي بين جميع المثقفين والفنانين الإسرائيليين؟ هل نظل بعيدين عن فلسطيني الضفة وغزة بسبب التطبيع؟ هذه الاسئلة وغيرها جديرة الآن أن تكون محور نقاش لمؤتمر لاتحاد الكتاب العرب، ويستطيع اتحاد الكتاب المصري رعايته باعتبار أن رئيسه هو رئيس الاتحاد العربي، لابد من طريقة واضحة في هذه المسألة ولا يجب تركها للظروف لأن هذه الظروف يمكن أن تري في موقف ما ليس تطبيعا لمجرد أن بطل المسألة صديق للكثيرين كما يمكن أن تصم الآخرين بالتطبيع لمجرد الغيرة المهنية ولا داعي لتفصيل ذلك. المهم هو ما تقدم من كلامي. ما هي حدود التطبيع الآن وما هي آليات عدم التطبيع؟ قومة واحدة استمعت إلي حديث مع السيد اللواء شريف جمعة مساعد وزير الداخلية للشرطة المتخصصة عن التفكير في منع دخول السيارات إلي بعض مناطق القاهرة إلا برسوم معينة تخفيفا للزحام عن هذه المناطق ومنها مثلا نص البلد. كان ذلك في قناة المحور مع الإعلامي معتز الدمرداش وكان تأكيد السيد اللواء أن الأمر لا يزال قيد المناقشة التفاصيل كثيرة منها تخصيص مركبات لنقل أصحاب السيارات من أماكن الوقوف التي ستكون بعيدة إلي المناطق المنشودة والحقيقة أننا نحتاج إلي قومة واحدة في هذه المسألة، قومة تشمل مد خطوط المترو إلي الهرم وإلي محافظة 6 أكتوبر والشيخ زايد وإلي إنشاء جراجات عملاقة تحت أو فوق الأرض للركاب عند المحطات الأخيرة وإلي التزام من السيارات وخاصة النقل بنهر الطريق المخصص لها وإلي ثقافة جديدة يتبناها الإعلام تحفز الناس علي ترك سياراتها وركوب المترو وإلي إبعاد محطات الميكروباص التي تنقل الناس بين القاهرة والمحافظات وتخصيص مواصلات مريحة لهم للانتقال للقاهرة نحن في حاجة حقا إلي شيء يخلص القاهرة من زحامها ولكن مرة واحدة، أقصد أن تقوم الدولة ممثلة في وزاراتها المعنية قومة واحدة في هذا الموضوع الذي هو في البلاد الأوروبية شيء عادي جدا. كي يتم هنا لابد أن يتم كاملا ومن جميع النواحي.