في حوارها مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين السيد بديع، أكد سيادته للسيدة مني الشاذلي أنهم لا يريدون الحكم، وأنا أصدقه بالفعل، فمن حقائق التاريخ حتي المعاصر منه، أن السلطة الدينية عندما تعمل بالسياسة لا ترحب بالوصول إلي السلطة والاضطلاع بها، بل تريد ما هو أكبر وأعلي من ذلك وهو الإشراف من فوق علي السلطة السياسية، هي لا تريد العمل بين الناس أو في المكاتب علي الأرض، بل تريد الجلوس علي قمة عالية أقرب إلي السماء وهو ما يضمن لها عدم تلويث أيديها بمشاكل الشارع، بل هي تترك ذلك لآخرين بشرط أن توافق هي أو لا توافق علي قراراتهم، مسئوليتها محصورة فقط في مباركة هذه القرارات أو حرمانها من البركة، حدث ذلك أثناء سلطة الباباوات في أوروبا، تماما كما يحدث الآن في إيران، هناك رئيس للجمهورية بكل ما يعنيه هذا المنصب من نفوذ وصلاحية وشرعية واستقلال، غير أن حريته كمسئول علي قمة هرم السلطة مقيدة بتعليمات المرشد العام، وعندما يحدث خلاف بينهما لا توجد مؤسسات تحسم هذا الخلاف بطريقة سلمية، ويكون الحل الوحيد هو خروج رئيس الجمهورية الحسن بني صدر هاربا من البلاد عائدا إلي المنفي في فرنسا مهددا بالقتل في كل لحظة. التيار الديني الدنيوي إذن هنا وفي أي مكان علي وجه الأرض، وفي أي مرحلة من مراحل التاريخ لا يريد الوصول إلي السلطة والاضطلاع بها، بل يريد الاستقرار في الطابق الأعلي في بناية السلطة متفرغا فقط لإعطاء المباركات ولسان حاله يقول: كونوا وزراء وحكومات بل ورؤساء جمهوريات ، ولكن عليكم في بداية الأمر ونهايته أن ترسلوا لنا بمسودة قراراتكم في كل الشئون الداخلية والخارجية، بعدها ستنزل عليكم إذا نزلت من أعلي مختومة ومعتمدة. ليس فيما نقول محاولة للنيل من أخلاقيات أي شخص في الجماعة السياسية الدينية في مصر أو إيران أو في مكان آخر، إنها آليات داخل العقل تسيطر علي كل من يصنع من السياسة والدين سبيكة واحدة، إن الإحساس بالسمو والارتفاع عن بقية عباد الله الخطائين تجعله يرتفع إلي فوق بعيدا عن أرض السياسة الموحلة، هناك قداسة إدارية لختم النسر، فما بالك بختم السماء الذي يحمله هو في عقله أو قلبه أو جيبه أو في درج مكتبه، كانت هذه هي مشكلتهم مع رجال الثورة في بداية الخمسينيات، فقد كان مطلبهم هو أن يعرض عليهم مجلس قيادة الثورة قراراتهم قبل إصدارها ، وهو ما وجده الحكم العسكري محاولة لفرض الجماعة الوصاية علي الحركة. بالفعل أنا أصدق المرشد العام للجماعة عندما يقول إنهم لا يريدون الوصول إلي الحكم غير أنه كان لا يجب أن يكتفي بوضع نقطة فوق السطر. أما حكاية الشعار الجديد عن الخير الذي يحملونه للدنيا ولنا جميعا ، فكل الحركات الدينية السياسية يؤمن زعماؤها في طول التاريخ وعرضه بأنهم يحملون الخير للدنيا وللناس لا بأس بوجود السيفين في الصورة فوق الشعار، هناك أناس سيرفضون هذا الخير، السيوف ستتكفل بهم وحتي لو كانت الجماعة تخلت عن العنف المادي منذ زمن بعيد إلا أنها حريصة حتي الآن علي الحفاظ علي الرمز الشهير وهو السيوف بعد إضافة الخير لها. لقد حمل الحكم الديني السياسي الخير للسودان وللسودانيين، وفي إيران وفي الصومال، وفي غزة، غير أن خيرا من أي نوع لم يتحقق في هذه الأماكن، بل التعاسة والشر فقط.