بالرغم من الاشادات التي نالتها قمة الأمن النووي بعد إعلان أوكرانيا تخليها عن تخصيب اليورانيوم عالي التخصيب استجابة لدعوة أوباما اضافة للمشروع الكندي المكسيكي المشترك لتعديل المفاعلات النووية المكسيكية حتي لا تنتج مواد نووية يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة نووية، فان معاقل الفكر المحافظ في أمريكا لم تتوان عن توجيه الانتقادات للإدارة الأمريكية متجاهلة أي نتائج ملموسة. الحملة الشعواء التي بدأت منذ اعلان أوباما استراتيجيته الجديدة في السلاح النووي يتوقع أن تستمر حتي مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي الشهر القادم، فاذا لم يحتشد قادة العالم وراء الرئيس الأمريكي لدعمه في مبادرته النووية.. فستعتبر هذه أول لطمة كبري يوجهها المجتمع الدولي لأوباما من شأنها أن تضعف جبهته الداخلية الهشة في الأساس خاصة من بقايا تيار المحافظين الجدد الذي ضعفت شوكته. ريتشارد بيرل، الباحث بمعهد أمريكان إنتربرايز وأحد أركان الادارة الأمريكية السابقة، انتقد اتفاقية "ستارت 2 " معتبرا أنها لا تنهي عقودا من الحرب الباردة التي كانت بين أمريكا وروسيا، فضلا عن أنها لن تؤدي إلي انتهاج باقي الدول نفس السياسة الأمريكية في خفض ترسانتها النووية وذلك لان التهديد لم يعد يقتصر علي روسيا فقط بل اتسع ليضم كوريا الشمالية وإيران. وتساءل بيرل في مقال بصحيفة "وول ستريت جورنال": كيف سيتم ردع هذين البلدين إذا ما تم التخلي عن الاسلحة النووية والأسلحة الدفاعية وتعرضت الأراضي الامريكية وحلفاؤها إلي هجمات إرهابية؟ ليشكك في قدرة استراتيجية أوباما علي درء الأخطار المحدقة بالولاياتالمتحدة، واصفا سياسته بأنها "قصيرة النظر". "ليس هكذا كان سيبدأ ريجان أو سيوقع ستارت" Not How Reagan Would START كان عنوان مقال الباحث كون كورل بمؤسسة "التراث" الأمريكية المحافظة الذي قارن فيه بين السياسة النووية والدفاعية لأوباما وريجان، قائلا ان استراتيجية ريجان كانت واضحة، هدفها الردع وتمت من منطلق قوة، بينما مثلت استراتيجية أوباما، في رأيه، العكس تماما من حيث خفض النظام الدفاعي الأمريكي عن طريق إزالة الأنظمة الدفاعية في أوروبا الشرقية وخفض برامج تطوير الصواريخ فضلا عن اتفاقية "ستارت 2 " التي تربط بين تحديد أماكن مظلات الصواريخ الدفاعية الأمريكية وخفض الصواريخ الروسية إلي جانب الحد من قدرات الاسلحة التقليدية الأمريكية.. ويخلص كارول إلي أن هذه الاستراتيجية ستضعف موقف الولاياتالمتحدة علي الساحة الدولية فضلا عن أنها تعطي مساحة لكل من كوريا الشمالية وإيران للتفاوض واستئناف برامجهم النووية وهو ما يتضح من تهديدات بيونج يانج عام 2009 بعدم وقف برنامجها النووي إلا عندما تتخلي الولاياتالمتحدة عن أسلحتها النووية أولا. وفيما يتعلق بالاستراتيجية النووية الأمريكية، يري باركر سبرينج الباحث الأمريكي بمؤسسة "التراث" أن الاستراتيجية بها العديد من نقط الضعف التي تؤثر علي ثقل الولاياتالمتحدة علي الساحة الدولية أهمها أنها فشلت في تقديم التزام واضح للدفاع عن أمريكا وحلفائها. واقترح تصحيح نقاط الضعف بممارسة الكونجرس لضغوط علي إدارة أوباما، وهو ما سيؤدي في النهاية إلي دعم الموقف الأمريكي في قضايا منع الانتشار النووي والحد من سباق التسلح. ويؤكد باركر أن التاريخ أثبت أنه لولا قوة الولاياتالمتحدة أثناء الحرب الباردة وقدرتها علي الردع لعاني العالم من ويلات حرب عالمية ثالثة، ولذا يري أن واشنطن يجب أن تظل قوية وقادرة علي الردع وحماية أراضيها وحلفائها سواء في أوروبا الشرقية أو في آسيا. في مقابل ذلك، قال الباحث ستيفن والت في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" التي تصدرها مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ان الادارة الأمريكية بذلت جهودا دبلوماسية ملحوظة للخروج بنتائج ملموسة من هذه القمة حتي لا تتحول إلي قمة علاقات عامة، معتبرا أن سياسة العصا والجزرة ستساعد علي تعزيز التعاون الدولي وستحافظ علي عدم وقوع المواد النووية في أيدي الدول المارقة أو الجماعات الارهابية وذلك من خلال تفعيل الأمن النووي والتعاون الدولي، واصفا القمة بأنها تمثل نجاحا للدبلوماسية الأمريكية والتي أدت إلي خروج قمة متوافقة في النتائج والاهداف..ووجه الكاتب الاسرائيلي أفنير كوهين مؤلف كتاب "اسرائيل والقنبلة" الذي كان بمثابة القنبلة لاسرائيل عام 1998 لتناوله برنامجها النووي، لبنيامين نتانياهو رئيس الوزراء انتقادات لاذعة لعدم حضوره القمة، معتبرا أنه أضاع فرصة كبيرة لشحذ العالم ضد ايران بسبب خوفه من توجيه بعض الدول العربية والاسلامية وعلي رأسها مصر وتركيا نقدا للسياسات النووية الاسرائيلية، مشيرا إلي أن الارهاب النووي هو تهديد وجودي لاسرائيل. وفي النهاية، فانه يبدو أن مصير دعوة أوباما بل ومستقبله السياسي يتوقف إلي حد كبير علي موقف زعماء العالم في مؤتمر نيويورك.. فاذا سقطوا سقط معهم مباشرة، واذا نجحوا ستكتب له النجاة.. والأهم من ذلك المجد علي الأرض!