في عام 2002 ظهر كتاب باللغة الفرنسية يؤكد ( نهاية الدولة القومية ) لمؤلفه تيري والتون Wolton، نعي فيه نهاية الدولة بالمفهوم الحديث ، فقد استنفدت وظيفتها تمامًا، وهي لم تكن علي الدوام وظيفة مشرفة، فقد نشأت نتيجة لحرب الثلاثين عامًا (1618 - 1648) بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا، واستمرت في حروبها مدة ما يزيد علي الثلاثة قرون، واستخدمت "القمع" ضد مواطنيها تحت ذريعة "السيادة"، وأفرغت الديموقراطية من مضمونها وطاقتها، وآن الأوان كي ترحل. مع بداية عصر العولمة وما بعد الحداثة، لم يعد ثمة وجود لاقتصاد قومي محض، ولا ثقافة قومية خالصة أو قانون قومي أو إعلام قومي... إلخ، وحدها مازالت تحتفظ بطابعها القومي «السلطة السياسية الفاعلة في إطار الدولة القومية»، ولابد أن تخلي مكانها، فأية شركة من الشركات العابرة للقوميات تتحكم اليوم برقم أعمال يزيد علي الناتج القومي لدولة صغيرة مثل «الدنمارك»، وقد لا يقل عن الناتج القومي لدولة متوسطة الحجم مثل «إسبانيا». هذا من ناحية، من ناحية أخري ظهرت مجموعة من الكتابات السياسية تؤكد بأن " العولمة السياسة " في الألفية الثالثة هي فوقية «لشرعية الدولية» ، مما يتطلب إعادة تعريف "سيادة الدولة" بواسطة قوي العولمة، ليصبح مفهوم الدولة هو تعبير عن الإرادة الجماعية لسكان أي إقليم معرفين - أي السكان والإقليم - لأن وحدة التكوين في العولمة Globolization هي «الكوكب» - Globe ، وليست «التدويل» Internationalization حيث «الأمة» Nation هي وحدة التكوين. مما يعني أن الدولة لن تختفي وإنما ستتحول (كيفًا) علي الأرجح، وتعمل كعقدة من عقد التفاعل الشبكي الدولي في عصر ما بعد الحداثة. هذا من ناحية، من ناحية أخري بدأت مراكز الأبحاث والدرسات في الولاياتالمتحدة علي وجه الخصوص ، تؤكد علي أننا نعيش بالفعل عصر " الهويات " والأصوليات ، والعودة إلي ما قبل الإنتماء الوطني والدولة القومية الحديثة التي ظهرت عام 1648 بموجب معاهدة (ويست فاليا)، وإن كان ينسب السبق في هذا الزعم إلي "هنري كيسنجر" مستشار الأمن القومي الأمريكي، ووزير الخارجية الأشهر في مرحلة الحرب الباردة. فقد أعلن في نهاية عام 1979 أن الصراع في المستقبل سيكون بين الهويات والأديان، خاصة بعد نجاح ثورة الإمام الخوميني في إيران، وصعود نجم المحافظين في انجلترا بزعامة مارجريت تاتشر أو المرأة الحديدية ، وتحقيق السلام بين مصر واسرائيل بموجب معاهدة "كامب ديفيد" . وعقب أحداث سبتمبر 2001 ، كتب كيسنجر مقالين متتاليين في مجلة شؤون خارجية الأمريكية ، نعي فيهما موت معاهدة ويست فاليا عام 1648 التي حددت قواعد اللعبة الدولية بعد حرب الثلاثين عاما في أوروبا، مؤكدا علي أن العالم دخل مرحلة جديدة بظهور التنظيمات المستقلة عن الدولة والقادرة علي تهديد الأمن المحلي والعالمي، مما يعني تآكل مفهوم الدولة بالمعني التقليدي، ونهاية التصور القديم لمفهوم السيادة الوطنية. وحسب كيسنجر فإنه ينبغي ابتكار تصورات جديدة ونظريات حديثة تتواكب والمرحلة الانتقالية التي يمر بها العالم من القديم إلي الجديد. فقد لاحظ أن التغير الأساسي الذي شهده مسار العقدين الأخيرين : العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اتجاه الفرد نحو العولمة والعالمية، في الوقت نفسه وبالتزامن، مع الاتجاه الشديد نحو تحديد الهوية والشخصية، ربما بطريقة متطرفة، وكأن العالم أصبح مقسما إلي مجموعات ثقافية وإثنية متعددة. وتخضع هذه المجموعات لضغوط العولمة، كما تخضع لمؤثرات التشتت والانقسام، ونتيجة لذلك وقعت الدولة في فخ مزدوج، بين الهوية (العرقية والإثنية) التي تضغط بشدة علي كيان الدولة القومية، وبين متطلبات العولمة التي تنخر في جدرانها. ويمكن تلخيص أهم الاتجاهات العالمية التي عجلت بتآكل مفهوم الدولة بالمعني التقليدي في أربعة اتجاهات: 1- من السيادة إلي الاستقلال. 2- من الاعتماد علي الذات إلي التشابك والاندماج . 3- من المحلية إلي العولمة. 4- من الجغرافيا السياسية إلي سياسة الهويات.