في الأول من سبتمبر 2010 صدرت مذكرات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق " توني بلير " تحت عنوان "رحلة" . بلير ممثل اللجنة الرباعية حاليا في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط ، هو أطول من تولي رئاسة حكومة لحزب العمال في بريطانيا حيث فاز في ثلاث انتخابات متعاقبة قبل أن يتنحي عام 2007 . الصحف البريطانية احتفت بالكتاب علي طريقتها، خاصة أن صدوره متزامن مع الذكري التاسعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، والذكري السابعة لحرب العراق 2003، التي يتهمه البريطانيون بتوريط بلادهم فيها ، بينما يصر بلير علي أنه لو عادت به عقارب الزمن إلي الوراء ، لاتخذ القرار نفسه ، رغم أنه سيتبرع بعائدات مذكراته لمشروع خاص بمساعدة الجنود المصابين في هذه الحرب . صحيفة التلغراف (المشاغبة) نقلت هذه العبارة علي لسان بلير: " ان هجمات 11 سبتمبر مثلت إعلان حرب (من عدو) من نوع جديد." . وهي نغمة تردد صداها في سيمفونية رتيبة في الغرب، منذ صدور كتاب (فرط الإرهاب : الحرب الجديدة) عام 2002، تحرير البروفسور فرانسوا هايزبور وبمشاركة مجموعة من الباحثين الفرنسيين في مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس ، وتمحورت أبحاثه حول هذا السؤال الجوهري : هل نشهد الآن حرباً دينية كحرب الثلاثين عاما التي شهدتها أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت (1618 -1648)،أم أننا نشهد حرباً طويلة الأمد، لها ائتلاف دولي متغير متعدد وذو مستويات تضامنية مختلفة؟ وهل سيكون للحرب الحالية تأثير علي النظام العالمي كما كان شأن حرب الثلاثين سنة (التي قادت إلي نظام وست فاليا عام 1648 القائم علي الدولة القومية ذات السيادة) ؟ أهم النتائج التي خلصت إليها الأبحاث : 1- أن الحادي عشر من سبتمبر 2001 يعد " وثبة نوعية وكمية " من حيث الأهمية والتنظيم والتزامن واللوجستية ووقع الانفجارات تجعل بالإمكان الحديث عن "أعمال حرب". فما حدث يعتبر "من بين العمليات العسكرية البارزة التي نفذت منذ عشرات السنين، التي ستكون بأية حال ذات أهمية تاريخية في التاريخ الإستراتيجي العالمي". إنها "قطيعة استراتيجية مهمة". 2- إن الولاياتالمتحدة استهدفت من الداخل ليس من قبل دولة ما ، وإنما من تنظيم غامض المعالم. و"لأول مرة في التاريخ تتمكن منظمة (وليست دولة) من أن تتبوأ مكانة علي نفس مستوي التدمير الذي تتمتع به أية دولة ذات سيادة . وهذه النقلة النوعية تجعل قضايا الصراع والتهديد تطرح بطريقة غير معهودة. الكتاب الذي عالج هاتين النقطتين بالتفصيل، هو: " ذهنية الإرهاب.. لماذا يقاتلون بموتهم "؟ ، وصدر في عام 2003 ليحذر من الحرب علي العراق بقيادة الولاياتالمتحدة وبريطانيا، ويضم شهادات لمجموعة من الفلاسفة والنقاد الأوروبيين أمثال جان بودريار، وأمبرتو إيكو، وجاك دريدا، وإد فوليامي، وجان لوكاريه، حول ما يتم تعريفه باعتباره إرهابا . أهم ما يطرحه هو أن كل استراتيجيات الأمن ليست سوي استكمال للإرهاب، وإنه انتصار فعلي ذاك الذي حققه الإرهاب بإغراقه الغرب في الهاجس الأمني، أي في شكل مقنع من أشكال الإرهاب المستمر. فشبح الإرهاب يرغم الغرب علي إرهاب نفسه . يفسر الفيلسوف جان بودريار الفعل الإرهابي وما يترتب عليه في قراءته لأحداث 11 سبتمبر قائلا : " نحن (الغرب) الذين أردنا هذه الأحداث وإن ارتكبها (هم)، وإذا لم ندرك ذلك يفقد الحدث كل بعده الرمزي، فيبدو حادثة محضة نفذها بضعة متعصبين يمكن القضاء عليهم وإزالتهم من الوجود، والمشكلة هي أننا نعلم جيدا أن الأمر ليس كذلك " . الحدث برأي بودريار يتعدي بكثير مجرد الحقد علي قوة عالمية مسيطرة، فمن المنطق أن يؤجج تفاقم القوة الرغبة في تدميرها، وأن تكون شريكة في تدميرها الخاص . فالنظام العالمي هو الذي أنشأ الشروط الموضوعية لهذا الرد العنيف المباغت، وباستئثاره علي كل الأوراق فإنه يرغم الآخر علي تغيير قواعد اللعبة، فهو رعب مقابل رعب، ولم يعد هناك أي بعد أيديولوجي، فقد أصبحنا بعيدين عن كل أيديولوجيا وسياسة. هكذا خرج العالم عن قواعد اللعبة الدولية المتعارف عليها منذ وست فاليا عام 1648 ، ليس فقط مع نهاية الحرب الباردة وظهور المنظمات العابرة للقارات والقوميات ، وإنما أيضا نتيجة لظهور "جيل جديد من الإرهابيين» ، وظهور مفهوم جديد للحرب ، كما يؤكد توني بلير في مذكراته.