يبقي للفنان الكبير محمد صبحي تلك الجاذبية المسرحية الخاصة التي تميز مشواره الإبداعي كله. ويبقي للفنان الكبير فاروق حسني وزير الثقافة مبادراته وتحركاته التي تحرك الساكن وتعيد تجديد الأمل في المسرح المصري. ولكن أهم ما في مبادرته تكليف صبحي بوضع تصور لإصلاح حال مسرح الدولة ودعم المسرح في صيغه الإنتاجية المختلفة عدة أمور وهي: أولاً: اعتراف ضمني خفي وللمرة الأولي وبعد ما يقرب من ربع قرن هي عمر وزارته بأن أزمة المسرح المصري هي أزمة إدارة لا تملك التصور العام ولا الأهداف الواضحة لواقع ومستقبل المسرح المصري، وليست أزمة إبداع ونقص في المبدعين كما كان يردد سيادته طوال الفترة الماضية. ثانيا: أن تكليفه لصبحي الفنان الفرد يؤكد أن تقديره للجنة المسرح الاستشارية بالمجلس الأعلي للثقافة هو تقدير لعملها الروتيني الذي لم يقدم تصورا شاملا لإصلاح أحوال المسرح المصري حتي الآن، لكن المدهش هو تجاهله لمشروعاتها المكتملة مثل مشروع المسرح المستقل. ثالثًا: تجاهله للجنة الاستشارية التي شكلها هو، وترك صبحي بمفرده يعتبر إدراكًا حقيقيا منه لفكرة النخبة المتحاربة فيما بينها المماطلة في مواجهة الواقع الرديء والمناورة والمراهنة طوال الوقت علي ضرورة الابتعاد عن إغضاب سيادته وكوادر الإدارة المسرحية غير المسبوقة في انهيار سلوكياتها المهنية. رابعًا: إن صمت لجنة المسرح عن تجاهل دورها في رسم الاستراتيجية العامة للمسرح المصري يؤكد كونها لجنة من النخبة المتحاربة فيما بينها، وغير قادرة علي الاعتراض عند سرقة دورها منها، وعليه فلتبق لجنة للموافقة علي سفر العروض للخارج وللرد علي مكاتبات وزارة الثقافة ولتعلن أنه لا دور لها علي أرض الواقع الثقافي. خامسًا: يعترف الوزير ضمنًا بأن صبحي جاء ليلعب دور العقل وأن إدارة وزارته المسرحية ممثلة في د.أشرف زكي رئيس قطاع الإنتاج الثقافي وشريف عبداللطيف رئيس البيت الفني للفنون الشعبية، وعصام السيد رئيس الإدارة المركزية للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة هم العضلات أو المنفذون غير المفكرين المنتظرين لخطة صبحي. لقد أحرج وجود محمد صبحي الجميع ولعل ما فعله فاروق حسني بلغة السياسة الثقافية هو مناورة انقلابية علي نفسه يلعب فيها بتبنيه آراء صبحي التي تري أن المسرح المصري يحتضر دور المعارض لنفسه ولسياسة وزارته ورجال إدارته ولجنته الاستشارية للمسرح المصري بالمجلس الأعلي للثقافة، فهل هو بذلك يفتح الجراح المغلقة أم يعلن غضبه علي النخبة والمديرين معًا. يستهويني فاروق حسني جدا عندما يلعب مناوراته التي تصنع الصدمات المسرحية والثقافية بالأصالة عن نفسي وليس بالنيابة عن الجماعة المسرحية الكارهة لبعضها البعض، والتي حولت الحركة المسرحية لسياج جحيمي مغلق من محاضر الشرطة والعراك والشجار والإيذاء بأبعد مما يتصور عقل سليم. أود أن أقول له: رائعة جدًا تلك التحركات الأخيرة، وصبحي الدينامي الصدامي المثالي المستقل النجم الكبير اختيار مناسب، نطلب فقط ألا تخذله عندما يقدم مشروعه، أما الجميع وعلي رأسهم الوزير صاحب المبادرة الاختزالية للكل في شخص واحد هو صبحي.. فعليه أن يسعد بقدرته علي الاعتراف بفشل إدارته للمسرح المصري. وعلينا أن ننتظر رغم الألم الحقيقي ورغم تجاربنا العديدة المؤلمة بأن يعود للمسرح المصري وجهه المشرق.