في محاضرته القيمة التي ألقاها في مؤتمر "الإعلام والقضاء" في كلية الإعلام بجامعة القاهرة (8 إبريل) ركز الدكتور فتحي سرور علي أربعة محاور أساسية، تتكامل فيما بينها لتشكيل العلاقة بين حرية الإعلام واستقلال القضاء.. تناولنا في مقال الأمس، المحورين الأول والثاني منهما، واليوم نتناول المحورين الثالث والرابع. ففي المحور الثالث، والمتعلق بالإشكاليات التي تثيرها حرية الإعلام بالنسبة إلي القضاء.. فقد أشار الدكتور سرور إلي أن حرية الإعلام بوصفها قيمة دستورية قد يؤدي تجاوزها إلي المساس بالحق في استقلال القضاء وحياده، والحق في محاكمة عادلة، وفي قرينة أن الأصل في المتهم البراءة.. فمن ناحية التدخل في حسن سير العدالة أمام المحكمة، تمت الإشارة إلي أنه بينما يعمل القضاء في هدوء وروية من خلال إجراءات قانونية حتي يكفل محاكمة عادلة، يؤدي الإعلام دوره مستخدماً المانشيتات الصاخبة، ويلجأ إلي أساليب لا تعرفها المحاكم. ولهذا اعتبرت المانشيتات المضللة خطراً قد يؤدي إلي الإساءة إلي المجني عليه أو أسرته أو التأثير علي الشهود، بل التأثير علي المحكمة.. ولا يقتصر الأمر علي التأثير علي حسن إدارة العدالة بل يمتد إلي المساس بقرينة البراءة، وهي أصل عام يتمتع به المتهم.. إذ يؤدي النشر الإعلامي إلي الانتقاص من قدر المتهم، ومكانته وسمعته علي نحو يمس بهذه القرينة.. فإذا ما صدر الحكم بخلاف ما روجت له وسائل الإعلام لم تهتم هذه الوسائل عند الحكم بالبراءة إلا بنشر خبر قصير أو مقتضب لا يثير الانتباه.. ويشير الدكتور سرور في محاضرته القيمة إلي ما يقال من أن الإعلام علي عكس ما كان عليه بالأمس أصبح كالغذاء المسمم الذي يسمم الأفكار ويتلاعب بها، مما يفرض علي القاضي أن يكون شديد الحذر حتي لا يكون لعبة في يد الرأي العام.. وأشار إلي ما يقال من أن في إمكان وسائل الإعلام أن تجعل من القاضي بطلاً لبضعة أسابيع أو لبضعة أشهر ثم تدفعه إلي ارتكاب خطأ قضائي.. وفي المحور الرابع، والذي يتعلق بموقف القانون المصري بشأن التوازن المطلوب بين حرية الإعلام والحق في المحاكمة العادلة، والحق في استقلال القضاء وحياده، والأصل في المتهم البراءة.. وقد وضع المشرع المصري ضوابط التناسب بين كل من الحقوق والحريات المتصلة بحسن سير العدالة، وحرية الإعلام.. ومنها: تجريم إهانة المحكمة أو الإخلال بمقام القاضي، وتجريم التأثير في القضاء، والحيلولة دون التجاوز في علانية الإجراءات القضائية حماية للمصلحة العامة وللحياة الخاصة للأفراد... وفي نهاية الدراسة، أشار الدكتور سرور إلي أنه ليس بالقانون وحده يمكن حل أي تناقض يبدو علي السطح، وإنما يجب أن تحكم القائمين في كل من الإعلام والقضاء ثقافة واحدة، هي ثقافة الاحترام المتبادل، وأن يتكفل ميثاق الشرف الصحفي بوضع الضوابط والحدود حتي تتكامل حرية الإعلام مع ضمانات حسن سير العدالة.. إن الديمقراطية تقوم علي القيمتين معاً، ولا نتصور أي تناقض بين الصحافة كسلطة شعبية، والقضاء كسلطة من سلطات الدولة. إن دراسة الدكتور فتحي سرور عن الإعلام والقضاة بثرائها، وتعدد منطلقاتها، ومحاولتها الربط بين الاعتبارات النظرية، والتطبيقات العملية، يجب أن يتم اعتبارها منطلقاً لكثير من الدراسات العلمية الجديدة، اختباراً لفروضها، وتأكيداً لحالاتها النظرية، واستفادة من تجاربها العملية.