الأصوليات التي صعدت مدفوعة بهزيمة المشروع الناصري، تبدو اليوم قابلة للتراجع، لاسيما في ضوء الأحداث الإيرانية الأخيرة، الأنظمة السياسية تمر أيضاً بأزمات شديدة، ونشهد ظهور حركات عمّالية صاعدة في بعض دول المنطقة، ما يفتح الطريق لبناء تجربة علي الطريقة البرازيلية في منطقتنا، هذا احتمال وارد.. هكذا تحدث المفكر اللبناني جلبير أشقر المقيم في بريطانيا. يعمل "اشقر" استاذا في معهد الدراسات الشرقية بجامعة لندن، كما عمل أستاذا للتنمية والعلاقات الدولية بجامعة باريس الثامنة، وباحثا بمركز مارك بلوك ببرلين، وهو صاحب العديد من المؤلفات والبحوث وقد صدرت كتبه في 15 لغة حتي الآن ومن مؤلفاته الصادرة باللغة العربية: "صدام الهمجيات، الشرق الملتهب، حرب الثلاثة والثلاثين يوما، وكان اخرها "السلطان الخطير" الذي تضمن مجموعة محاورات مع ناعوم تشومسكي.. التقيناه أثناء حضوره للقاهرة للمشاركة في فعاليات"مؤتمر "الترجمة وتحديات العصر" قبل أيام وكان لنا معه هذا الحوار: كيف تقيم أزمات تيارات الإسلام السياسي في المنطقة؟ - بداية هذا المصطلح يشير الي نوع من الاستشراق لاننا لو سلمنا بوجود ما يسمي بالاسلام السياسي، فمن المنطقي ان نعطي شرعية لما يسمي المسيحية السياسية، واليهودية السياسية، والبوذية السياسية واعتقد ان كل دين في النهاية له شق سياسي بشكل او بآخر مادام تعلق بقضايا المجتمع، ويسميها البعض اصولية دينية، وقد نسميها باللغة العربية سلفية وهي جماعات تريد فرض الدين كمرجعية اجتماعية وقانون رئيسي ان لم يكن وحيدا، واري هذه الحركات محاولة رجعية بالقياس للتقدم التاريخي، بالرغم من انتقالنا من عصور كان فيها الدين مسيطرا الي عولمة المجتمعات بمعني احالة الدين الي موقع الحرية الفردية وحرية الايمان التي لابد ان ندافع عنها كإحدي حريات العباد الأساسية. هل تكمن مشكلة مجتمعاتنا في نقص الالتزام الديني؟ - التنظيمات المبنية علي الأصولية الدينية وعلي رأسها جماعة الإخوان ترفع شعارا جذابا وهو" الإسلام هو الحل"، ومثل هذا التصور لا يمكن ان يكون حلا كما يزعمون، لأن مسألة تخلفنا لا ترجع إلي نقص في الدين بدليل ان اي مراقب للعالم يري ان اعلي مستويات التدين موجود لدينا، واذا كان تخلفنا يرجع الي عدم الالتزام بالدين فالواقع يشير الي عكس ذلك، والمناطق المتقدمة في العالم هي الاقل التزاما من عالمنا العربي بالدين. وكيف تري مستقبل هذه التنظيمات في منطقتنا؟ - الأصوليات التي صعدت مدفوعة بهزيمة المشروع الناصري، تبدو اليوم قابلة للتراجع، لاسيما في ضوء الأحداث الإيرانية الأخيرة، فهذه التيارات التي ترعرعت بعد هزيمة يونيو 1967 وهزيمة المشروع الاشتراكي السوفيتي، ترفع شعار الاسلام هو الحل وهو وهم فلا يوجد اتفاق بين الأصوليين أنفسهم. وما سر بقاء هذه التنظيمات من وجهة نظرك؟ - الحركات الأصولية كالإخوان وغيرهم سبب صمودها هو تقديم أنفسهم للجماهير علي انهم الفئة المضطهدة، لكنهم في المقابل لا يسمحون لمجتمع بمناقشة برامجهم وللأسف لا يوجد لديهم اي برنامج اجتماعي او اقتصادي، ويرفعون في النهاية شعارات فارغة لا تحل مشاكل التنمية مثلا في العالم العربي وهي قضية تتطلب نقاشا عميقا ولا تحل من خلال الالتزام الديني وحسب، استطاع التيار الديني بأجوبة تبسيطية ومشاريع خيرية ان يستفيد من حالة الاحباط والتذمر بين الجماهير. ولماذا تراجع التيار التنويري في العالم العربي؟ - سبق ان قلت اخفاق المشروع القومي الناصري والهزيمة التي لحقته، وتراجع الايديولوجيات الاشتراكية، بالإضافة إلي تقاعس التيار الليبرالي العربي عن تقديم مشروع تقدمي علماني بشكل جذري كما ان العلمانية رضخت لضغط التيار الديني بدلا من ان تنشط لسحب البساط من تحت اقدامه. أهناك ما يزال بالإمكان تسميتُه يسارًا عربياً؟ - هناك قوًي يمْكن تصنيفُها يسارا، من المحيط إلي الخليج، لكنّ معظمَها محدودُ الحجم والتأثير. وبالتالي فالحديث اليوم عن "يسارٍ عربي" بالمفهومَ الذي كان مستعملاً بين الخمسينيات والسبعينيات قد يوحي بشيءٍ خاطئ.. ما يمكن قولُه اليوم هو أنّ ثمة مشروعَ يسارٍ عربي جديد؛ ثمة بقايا من جهة، وأجنّةٌ من الجهة الأخري، والكلّ محدودٌ جدّا. كيف تري الدور الذي باتت التيارات الدينية في مقدمتها حزب الله تلعبه لصالح إيران؟ - حزب الله كتنظيم لم ينشأ لتحرير فلسطين فهو نشأ بعد احتلال لبنان، وبالتالي الاهتمام الاساسي له تحرير الاراضي اللبنانية.. المشكلة ان حزب الله يتخذ قرارات الحرب مع اسرائيل بشكل فردي والمؤسف ان الحرب تنعكس نتائجها علي الشعب اللبناني كله وليس حزب الله فقط اذن النقاش يتركز حول السؤال : هل يبقي قوة عسكرية مستقلة ام يتم التنسيق مع القوي العسكرية اللبنانية. وهل قراره في هذا الشأن مستقل؟ - لا ينبغي ان نغفل هنا ارتباط حزب الله بالجمهورية الإيرانية وقد اعترف حسن نصر الله بذلك فهو قال "نحن حزب ولاية الفقيه". ما حدود الدور الايراني في لبنان؟ - ايران تعتبر العالم العربي ككل حلبة للصراع مع امريكا من خلال الامتداد الطائفي والايديولوجي فهي تعقد اتفاقات مع حماس التابعة لحركة الإخوان، وحزب الله اللبناني.. إيران يهمها بالدرجة الاولي مصلحتها الخاصة.