هو فنان متعدد المواهب الفنية، يمارس الكتابة التأريخية عن رواد الحركة التشكيلية خاصة السكندريين منهم، إلي جوار ممارسته للفن التشكيلي بأعمال فنية ذات طابع مصري صميم، أقام بالإسكندرية أول المتاحف الفنية "الخاصة" بتمويل ذاتي، وهو أيضا صاحب بصمة نقدية يضع يديه علي مواطن العيوب في الحركة التشكيلية، ينقدها ويشخصها ويرقبها من الداخل ومن الخارج، بمناسبة معرضه الأخير الذي أقيم بقاعة الأوبرا بالقاهرة بعنوان "آخر لوحات حامل الرسم"، إنه الفنان عصمت داوستاشي، الذي كان لنا معه هذا الحوار، الذي عاد فيه بالذاكرة إلي بداياته الفنية قائلا: - بدايتي الفنية كانت تقليدية، طفل يحب الرسم، شجعني عليه عمي "كمال"، وهو كان مشروع فنان لم يتحقق، فكان يضع أمامي عددا من العناصر لأرسمها لأكتشف فيما بعد أن تلك العناصر هي "الطبيعة الصامتة"، التي نتعلم الرسم عليها في كليات الفنون، فتعلمت منه الكثير، وكان أسفل منزلي خطاط ورسام اسمه محمد الوحش، أفادني كثيرا في صغري وتحديدا في المرحلة الابتدائية والإعدادية، التحقت بعدها بالتعليم الفني، وتحديدا بمدرسة الإسكندرية الثانوية الزخرفية، وهناك تعلمت واكتسبت جميع المهارات والتقنيات الفنية، كما كنت متابعا للمعارض الفنية التي تقام في الإسكندرية، وخاصة معارض الفنان سيف وانلي، ثم التحقت بمرسمه لتعلم الفن لثلاث حصص فقط، توقفت بعدها لأنه فنان رائع ولكنه معلم فاشل، لأنه ينتج من تلاميذه نسخًا فنية منه، التحقت بعدها بمدرسة تحسين الخطوط. هل تتذكر أول جائزة حصلت عليها؟ - في عام 1961 حصلت علي أول جائزة لي، وكانت علي مستوي المدارس والكليات الفنية بالإسكندرية، وذلك أكد لي أنني أسير علي الطريق الصحيح، وفي عام 1962 أقمت أول معرض خاص لي بالإسكندرية، وتوالت بعد ذلك معارضي، وتخرجت في المدرسة وكنت الأول علي المنطقة، والتحقت بعدها بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، لكنني لم أستفد منها نهائيا إلا معرفتي بالأساتذة هناك، خاصة أن الكلية منهجها أكاديمي وأنا كنت أبحث عن الحرية، فقررت أن ألتحق بقسم النحت حتي أتعلم شيئا لم أنفذه من قبل، لكنني اكتشفت بعد ذلك أنني كنت مخطئا، ولكنني لم أزل حتي الآن ضد التقييد "الأكاديمي" لأصحاب الموهبة، وبعد ما كتبه الفنان والناقد حسين بيكار في إحدي مقالاته تحت عنوان "انتحار فني" جعلني أوجه معارضي تجاه القاهرة، لأن المحافظات لا يشعر بها أحد، فأقمت أول معارضي في القاهرة عام 1974، ومن وقتها عرفت وبدأ يحدث معي نوع من التواجد والنقد والاقتناء لأعمالي. اسمك الفني "داوستاشي" له قصة حدثنا عنها؟ - اسمي عصمت عبد الحميد إبراهيم، وفي أواخر الستينيات التقيت قريبًا لي اسمه "حسين اليفتشي" وهو اسم قريب من الأسماء الروسية، وهو من أخبرني بأن اسم عائلتي "داوستاشي"، فقررت أن أتخذه كاسم فني، وفي البداية واجهت عدة صعوبات ولكنه مع الوقت أصبح الاسم مرتبطا بي. قمت بكتابة عدد من الملفات الفنية والنقدية عن فنانين، فكيف بدأت هذا المشوار؟ - منذ صغري كنت مغرما بالكتابة، وجعلتني ظروف حياتي أتعرف علي معظم كبار الفنانين وألتقيهم عن قرب، من أمثال عفت ناجي ومحمد ناجي وسعد الخادم وغيرهم فتركوا لي معظم وثائقهم، كما كنت مغرما بالتصوير والتوثيق، فأصبح لدي مع الزمن أرشيف ضخم عن الحركة في الإسكندرية وتراكمت لدي المواد العلمية، ما جعلني أتفرغ للكتابة عنهم باعتبارها رسالة خاصة، في اتجاه ناحية التوثيق ومعظمه أطبعها علي نفقتي الخاصة، وألفت مجلدا عن الفنانين أدهم وسيف وانلي أتمني أن تتكفل وزارة الثقافة بطباعتهما، وقريبا سوف يصدر لي كتاب بعنوان "ناجي في الحبشة" كما قمت بتأليف كتاب عن تاريخ أتيليه الإسكندرية وبينالي الإسكندرية. أقمت متحفا فنيا "خاصا" هو الأول من نوعه فكيف بدأته؟ علي مدار حياتي كنت أقوم بتجميع أعمال الفنانين المصريين ومعظمها كانت إهداءات وقليل منها كنت أقوم بشرائه، ومع الوقت وتحديدا عام 2007 تمكنت من تجميع أعمال 100 فنان مصري، وتمكنت من الحصول علي شقة وتحويلها إلي أصغر متحف في العالم، والآن يضم أكثر من 150 عملا فنيا، وهو أول متحف "خاص" للفن المصري الحديث. حدثنا عن الحركة الفنية بالإسكندرية؟ - الحركة التشكيلية في الإسكندرية حركة نشطة وولادة، ولكننا الآن نستشعر أنها تعاني من انقسامات لم تكن موجودة في الماضي، وذلك بسبب غياب الرواد والكبار من الحركة، ولكن أكثر ما أثر هو حدوث فجوة بين خريجي كليات الفنون وبين الفنانين الأحرار الذي لم يدرسوا في كليات الفنون، علي الرغم أن عددا من رواد الحركة التشكيلية من أمثال محمود سعيد وسيف وأدهم وانلي ومحمود موسي لم يدرسوا في كليات الفنون، كما أننا نجد تيار الشباب قد استقل بذاته وكأنهم رفضوا روادهم وأساتذتهم، واتضح أن التمزقات والتفرقات وعدم إيمان الأجيال الحديثة بمن قبلهم أمر يحدث علي مستوي الحركة التشكيلية في مصر كلها. كيف تري الحركة التشكيلية في مصر؟ - الفن التشكيلي أصبح أمرا هامشيا في المجتمع، بمعني أنه لو تم شطبه فلن يتغير شيء، وحركة النقد أصبحت هزيلة، والأجيال الجديدة لم تنضج بعد، ومن يعمل بها من الشباب يعاني لعدم وجود منافذ، ويمكن إلغاء ما هو موجود منها في أية لحظة، وكذلك نجد أن ما يقدمه الإعلام المرئي عن الفنون التشكيلية هزيل جدا، وما يحدث حاليا في المعارض نوع من "الغربة"، فالمعارض لا يحضرها أحد، ولا يوجد اقتناء إلا من قاعات خاصة معينة، فأصبحنا نعاني فعلا من عزلة حقيقية من أسبابها ضعف نقابة التشكيليين، التي لا تقوم بدورها ولا تدخل في معارك من أجل الفنانين. هل تعاني الحركة التشكيلية من المركزية مثل باقي الفنون؟ - إذا نظرنا إلي الحركة التشكيلية في مصر سنجدها تنقسم إلي شقين، الأول الحركة التشكيلية بالقاهرة، والثاني خارجها، الحركة خارج القاهرة هامشية ولا يعلم بها أحد، علي الرغم من أن فناني المحافظات هم من يثرون الحركة التشكيلية في القاهرة، والغريب أن من هم خارج القاهرة ينظر إليهم كأنهم هواة وكذلك الإسكندرية ينظر إليها كإقليم، والقاهرة بها المركزية والحركة التشكيلية وقطاع الفنون، ونجد ان القاعات الخاصة توحشت وأفسدت الحركة التشكيلية وسلكت منحي التغيرات المختلفة من عولمة وجري وراء النواحي الاقتصادية، ونجد أن كليات الفنون والتعليم الفني انتهت علي الرغم من أن عددها زاد عن الماضي، ولكن رسالتها وعطاءها ضعفا.