بعد سنوات من الحرب الطاحنة غير المجدية، التي سقط فيها آلاف من القتلي والمصابين، وبعد أن احتشد الرأي العام العالمي، والأمريكي أيضا، لإدانة التدخل العسكري في فيتنام، بدأ تنفيذ الانسحاب إيذانا بالنهاية التي طال انتظارها، وكان ذلك في التاسع والعشرين من مارس سنة 1973. ما أروع أن تنتصر الشعوب الصغيرة المسلحة بالإرادة والعزيمة والتمسك بالحرية والاستقلال، علي أعظم ترسانة عسكرية في العالم، الأمر هنا لا يمثل انحيازا للشيوعية التي يتمسك بها النظام الفيتنامي بقيادة العجوز الحكيم البسيط هوشي منه، كما أنه ليس رفضا للرأسمالية وتوجهاتها الاقتصادية والليبرالية، فالمسألة في جوهرها تتجاوز ذلك كله، وتؤكد علي حقيقة لا ينبغي أن ينشأ حولها خلاف أو يقوم جدال: حق الشعوب في اختيار الأسلوب الذي تحكم به إذا أمن الشعب الفيتنامي أن الحزب الشيوعي هو الأقدر علي القيادة، فلماذا تري الولاياتالمتحدة، أو غيرها في ذلك التمسك انحرافا يستوجب التأديب؟ وإذا كانت إدانة التدخل السوفيتي في المجر وتشيكوسلوفاكيا واجبة، فلماذا لا تكون الإدانة نفسها في الملف الفيتنامي؟! سيطرت العقدة الفيتنامية طويلا علي السياسة الأمريكية، لكن الدرس لم يحقق أهدافه، مازالت أمريكا تري نفسها الحكم وولي الأمر، وتأبي إلا أن تتدخل فيما يعنيها وما لا يعنيها ومازالت الحماقات تتوالي في بقاع شتي من العالم، وازداد الأمر سوءا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وانفراد الأمريكيين بالقيادة المنفردة. بتعبير وليم فولبرايت في عنوان كتابه الشهير فإن «غطرسة القوة» تقود إلي أوخم النتائج وقد كان الرئيس ريتشارد نيكسون عقلانيا وواقعيا عندما آثر أن يتخذ القرار الصحيح الصعب، ليبدأ الانسحاب الأمريكي في فيتنام من كان يتخيل أن تشهر القوة العظمي إفلاسها وتقر بهزيمتها؟! إنه الشعب الفيتنامي الذي أراد الحياة فاستجاب القدر. تستطيع الشعوب الصغيرة الفقيرة أن تنتصر شريطة وضوح الرؤية والهدف، مهزومون هم العرب في كل جبهات معاركهم فمتي إذن يتعلمون ويتعظون ؟!