ذلك الوجه الأسمر الذي يشع بالرجوله والقوة والشهامة، ويعبر عن الفلاح الأصيل المسكون بمزيج معقد من السخرية والألم. نحيل يفيض بالعنفوان، وبسيط حكيم تشعر كأن النيل قد غمره في موسم الفيضان، وترك في أعماقه خصوبة الدفء الذي يتغلغل إلي القلوب. إنه عبدالله غيث، المولود في الثامن والعشرين من مارس سنة 1930، الموهبة المتألقة في السينما والتليفزيون، فضلاً عن خشبة المسرح الذي ينطلق فوقها فيفرض علي متابعيه أن يتسمروا في مقاعدهم مشدوهين بعبقرية الأداء وحيوية الحركة وطغيان الحضور. في فيلم الحرام، الذي أخرجه هنري بركات عن العمل الروائي القصير الشهير ليوسف إدريس، واجه عبدالله غيث سيدة الشاشة فاتن حمامة، فإذا بهما يعزفان لحنا ممتعا منسجما، وما أروع سليل العائلة الريفية الثرية وهو ينقل بكل ذرة فيه مشاعر الفلاح الفقير المعدم الذي يبحث عن لقيمات، ويهده المرض، وتتلون عيناه بأحاسيس الحسرة والضياع. هو نفسه من تألق في مسلسل هارب من الأيام، الذي أخرجه ملك الفيديو نور الدمرداش عن رواية ثروت أباظة، واستطاع أن ينوع أداءه في مشهدين متتابعين، بائس مرهق تدوسه الأقدام، وزعيم عصابة يجمع بين الذكاء والقسوة والحقد والحب والمرض النفسي! حُرم الجمهور المصري من رؤية الفنان الفذ الذي كان مرشحًا لبطولة مسرحيتي عبدالرحمن الشرقاوي عن الحسين ثائرًا وشهيدًا، فهل يعجز من تألق في فيلم الرسالة عن تكرار إنجازه؟! إنه ضيق الأفق، والتعنت الذي لا يواكب روح العصر، والفتاوي التي تتوهم الدفاع عن الدين وثوابته، بينما هي تسيء إليه وتشوه سماحته! موهبة لم تقدم كل ما تملكه من قدرة علي العطاء، ليس فقط لأن المرض الخبيث اللعين قد تمكن منه وعصف به مبكرًا، بل أيضًا لأن الأدوار التي تناسبه لا تتسع لها قوانين وحسابات السوق، حيث يشتد الإقبال علي نجوم الشباك، دون نظر إلي براعة الفن التمثيلي الذي لا يقترن بالبشرة البيضاء والشعر الأصفر والملامح التي لا تشبه طمي النيل وخضرة الحقول.