لم يكن المصريون القدامي ينظرون إلي الوقت الذي تشغلهالسنة علي أنه مجرد وحدة زمنية يتدرج خلالها المناخ من فترة إلي التي تليها حتي ينتهي الوقت المحدد لهذه الوحدة أو الدولة, ومن ثم تعيد نفسها من جديد في استمرارية لا تنقطع. وانما كانوا ينظرون إلي السنة من منظور عملي علي أنها المدة التي يتم خلالها إنتاج المحصول الزراعي وهو الأمر الأول الذي كان لابد من توافره في حياتهم. ويبدو هذا المنظور بشكل واضح حتي في نوع الألفاظ التي كانوا يستخدمونها للتعامل في هذا المجال. وعلي سبيل المثال فإن اللفظة التي كانوا يعبرون بها, وهي رنيت كانت تصور في الخط الهيروغليفي( أحد الخطوط التي كتبت بها اللغة المصرية القديمة) علي هيئة برعم يشق طريقه نحو النمو. ولما كانت الأمطار الملازمة لري المزروعات شحيحة في مصر, بل تكاد تكون منعدمة في عدد من مناطقها,فقد كان المجتمع بأسره ينتظر وقت الفيضان علي انه موسم الخير والبركة وإن كانت هناك حالات نادرة لا يكون فيها الفيضان علي ما يتمناه الناس: ففي بعض الأحيان كان الفيضان لا يقتصر علي غمر أراضي الزراعة كما هو لازم ومطلوب وإنما تصل زيادة مياهه, ومن ثم تدفقها, إلي درجة من العنف تغرق كل شئ بما في ذلك المدن والقري والطرقات, وفي أحيان أخري كانت هذه الزيادة لا تكاد تصل إلي ما يغطي حاجة الأرض إلي الارتواء: وعلي هذا الأساس فقد كانت علاقة م المصري بنهر النيل علاقة حميمة وحياتية. وفي هذا السياق فقد آله المصريون هذا النهر منذ فترة مبكرة من تاريخهم تحت اسم الإله جعبي وهي التسمية التي تنطقها الآحابي الخطأ الشائع كما ربطوا بينه وبين الخصوبة المتكاملة وهي أصل الحياة, فصوروه علي هيئة رجل مكتمل الرجولة ومع ذلك فله ثديا امرأة, وذلك بسبب الطمي أو الغرين الذي تحمله مياهه, فتجمع بذلك بين الري والإخصاب.. وأخيرا وليس آخرا, فإن المصريين لم يكتفوا بالاحتفال بهذا الإله مرة واحدة في العام, وإنما كانوا يحتفلون به مرتين: إحداها عندما تبدأ زيادة المياه في النهر, والمرة الأخري عندما يصل الفيضان إلي أعلي منسوب له. وفي ضوء هذه الأ همية التي تتخذ من المحصول محورها الأساسي, فقد قسم المصريون السنة إلي ثلاثة فصول تتصل بالمحصول بشكل أو بآخر, في مقابل الفصول الأربعة التي كانت تنقسم إليها لدي عدد من المجتمعات الاخري في العصر القديم. وهذه الفصول الثلاثة هي: فصل الغمر أو( أخيت في اللغة المصرية القديمة) وهو أول فصول السنة, وفيه يكون غمر الأرض بما يترتب علي ذلك من تشبعها بالمياه اللازمة قبل الزراعة, ثم فصل الخروج( يريت) الذي تتراجع فيه مياه النهر عن منسوبها الزائد, وهنا ينتشر الفلاحون في الحقول لكي يحرثوها ويبذروها قبل أن تقسو الأرض. وفي هذا الفصل يقوم هؤلاء الفلاحون بري الأرض عدة مرات حتي لا تجف المزروعات, كما يقومون بالعناية بالأرض بوجه عام إلي أن ينضج المحصول.. وهنا يبدأ الفصل الثالث وهو فصل الحصاد( شمو), وفي هذا الفصل يتم الحصاد ودرس الحبوب( حتي تنفصل عن قشورها) ثم تخزينها. ثم نتساءل عن توقيت الفيضان. وهنا نقول إنه مهما كان من انتظام هذا الحدث السنوي في عمومه, إلا أن توقيته علي أرض الواقع لم يكن من الدقة بحيث يمكن تحديد يوم بعينه لبدايته وهي نفس بداية العام الجديد. غيرأن المصريين توصلوا إلي هذا التحديد بطريقة غير مباشرة. ذلك أن بداية الارتفاع السنوي لمياه النهر كانت تصادف حدثا سنويا آخر ثابتا في توقيته, وهو أن النجمة المعروفة الآن باسم الشعري اليمانيةSirius والتي كان المصريون يعرفونها بتسمية سعبديت كانت تغيب عن الظهور لمدة طويلة ثم تعود إلي الظهور لدي بداية الفيضان وهنا سارع المصريون الي الربط بين الحدثين السنويين, وبذلك توصلوا إلي موعد ثابت لبداية الفيضان من ثم لبداية السنة الجديدة. وفي هذا السياق فإن لدينا نصا منقوشا علي أحد الجدران الخارجية لمعبد الملك رمسيس الثالث( القرن12 ق. م) في مدينة هابو مقابل الأقصر) وفيه نجد الملك يشير بشكل محدد إلي الاحتفال بظهور الإلهة سعبديت وهو ظهور يتطابق مع بداية السنة الجديدة. ولم تكن الفصول الثلاثة متساوية في عدد أيام كل منها بحكم طبيعة الأشياء, وإن كانت متقاربة في هذا العدد إلي حد كبير, ولكن المصريين وحدوا بينها متغاضين عن هذا الاعتبار كنوع من تبسيط الأمور. وهكذا قسموا كل فصل إلي أربعة أشهر ينقسم كل منها بدوره إلي ثلاثين نوعا لتصل في جملتها إلي360 يوما ثم تضاف إليها خمسة أيام حتي يتم التطابق مع ظهور النجمة المذكورة. غير أن المصريين لاحظوا بمرور الوقت, أن التقويم السنوي علي هذه الصورة, كان يؤدي إلي تراجع في ميعاد بداية السنة الجديدة يبلغ يوما كل أربع سنوات. وحتي يظل التطابق قيد الحديث ثابتا كان لابد من تصحيح هذا الأمر. ويؤكد واقع المسار التاريخي أن المصريين قاموا بهذا التصحيح بطريقة أو بأخري. ولعل الأقرب لما حدث في هذا الشأن هو أن علماء بيوت الحياة( بروعنخ) كان لهم دور أساسي في ذلك فقد كانت هذه البيوت الملحقة ببعض المعابد بمثابة مراكز للبحث العلمي, وكان هؤلاء العلماء يمثلون المرجعية العلمية في مصر.