تابوهات.. تابوهات بين التحريم "المؤقت" والتحريم "الأبدي" يتم التعامل مع قضية تمثيل العمال والفلاحين بالمجالس الشعبية والتشريعية المختلفة، لقد انطلقت ثورة يوليو مع منتصف القرن الماضي وحققت العديد من الإنجازات التي لاقت استحسان الجماهير المصرية، وكان تحديد نسبة 50% - علي الأقل - للعمال والفلاحين أحد أهم تلك المنجزات من وجهة نظر غالبية الشعب المصري حينئذ بيد أن الثورة قامت علي أنقاض الليبرالية المصرية الوطنية، وكانت الثورة تهدف إلي تفكيك الإقطاعيات والقضاء علي الإقطاع عن طريق خلق طبقة جديدة في المجتمع هي الطبقة الكادحة، تلك الطبقة كانت تحتاج إلي من يمثلها ويتحدث باسمها إلي أن يحدث الحراك الاجتماعي المستهدف وينتقل هؤلاء الكادحون من طبقة الفقراء إلي الطبقة الوسطي التي تمثل الجانب الآمن في المجتمع، لقد شهد المجتمع علي مدار تلك العقود طفرات هائلة وتغيرات نوعية علي جميع المستويات الاجتماعية والسياسية، لكن وبعد مرور كل تلك السنوات.. ألم يأن لنا أن نعاود التفكير في نسبة ال50% عمال وفلاحين؟ إن القضية ليست من المحرمات التي يجب عدم الإقتراب منها، فالمجتمع المصري بات مؤهلاً ومهيأ لمناقشة أية قضية مهما كانت درجة سخونتها وحساسيتها، لكل ما سبق أعرض في هذا المقال لوجهة نظر أرها صواباً يحتمل الخطأ، براءة هل نواب المجالس التشريعية والشعبية عن العمال والفلاحين هم بالفعل عمال أو فلاحون؟ ثم من هو العامل ومن هو الفلاح؟ وهل العمال يشعرون أن أحداً يمثلهم ويتحدث بلسانهم؟ وهل يشعر الفلاحون بأن فلاحين من بني جلدتهم يمثلونهم في البرلمان والمجالس التشريعية؟ أسئلة وتساؤلات عديدة تطرح نفسها ونحن نفتح هذا الملف الشائك، فأنا علي قناعة شديدة بأن العمال والفلاحين في المجالس النيابية والتشريعية لم يكونوا عمالاً ولم يكونوا فلاحين من حيث الممارسة، لكنهم اكتسبوا هذه الصفات بطرق عديدة أصبحت معلومة للجميع، إنني أعرف شخصياً عشرات النواب الذين يحملون صفة "عمال وفلاحين" وهم يحملون أعلي الدرجات العلمية ويشغلون أعلي المناصب ولديهم أكبر الإقطاعيات هؤلاء لا أجد لهم ذنباً ارتكبوه ولا أجد لدي نقداً أوجهه إليهم، فقط هم استفادوا من نصوص الدستور، وتقدموا للانتخابات علي هذا الأساس، وقد يكون من بينهم من يكون جديراً بالجلوس علي مقعد التشريع والرقابة كنائب للشعب، لكن بالتأكيد هناك عدم تكافؤ فرص بالنسبة لفئات عديدة من المجتمع، إن فرصاً عديدة ضاعت وتضيع علي المجتمع نتيجة التمسك بهذه النسبة، إنني أري أن تحديد نسبة ال50% للعمال والفلاحين بدأت بنوايا حسنة وانتهت بخطيئة سياسية، إن القضية كما الدعم تماماً تتحمله خزانة الدولة ويذهب غالباً لغير مستحقيه، فالدستور المصري منح العمال والفلاحين ميزة لكنها ضلت الطريق ولم تصل إلي مستحقيها، فكيف اقتنع بأن لواء سابقاً أو طياراً أو رجل أعمال يمكنهم أن يكونوا "عمالاً وفلاحين" لابد أن نعترف بأن المجتمع المصري تغير كثيراً في العديد من الرؤي السياسية وبات السكوت مكروهاً وما عاد هناك محرمات، كل القضايا يمكن مناقشتها وإدارة حوار بشأنها شرط أن يكون الحوار بناء والنقاش متحضراً مع عدم وجود شبهة مصلحة شخصية، إننا نفتح قضية وطنية ترتبط بمستقبل وطن، وطالما أننا نبحث عن مشروع حضاري فيجب علينا أن ننحي الخلافات والمصالح الشخصية جانباً ونبدأ الحوار بموضوعية ودون تشنجات فوضوية ضيقة، إنني أعرف أشخاصاً بعينهم وبأسمائهم سيقاومون حتي مجرد الحوار وستبدأ الخطب الرنانة بالدق علي أوتار القلوب، ودغدغة مشاعر الجماهير، إنني لا أدعو إلي سلب ميزة ممنوحة إلي العمال والفلاحين لكنني أدعو إلي حماية العمال والفلاحين من الأدعياء والأوصياء، إنني أشعر أن الدعوة للحفاظ علي نسبة ال50% عمال وفلاحين هي دعوة للجمود ولن أقول الرجعية، فالمجتمع يتغير ويتطور بسرعة ويجب أن تكون الدساتير مسايرة لهذه التغيرات ومتفاعلة بها ومعها، إنني أطرح هذا الطرح ويغلبني التفاؤل كما العادة، بأن القضية ستجد طريقاً أو طرقاً أو بدائل تخرج بها من مربع المشاكل إلي مربع الحلول، إن المجتمع المصري يحتاج إلي تصحيح بعض المفاهيم وتعديل بعض الأولويات والنظر إلي الأمور بحجمها الطبيعي بعيداً عن سياسة المبالغة والتهويل. "إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"