مهما كان القرار الذي سينتهي إليه "المجلس الخاص" بمجلس الدولة في شأن مسألة تعيين النساء، فالمؤكد أن النشاط النسائي المعارض للقرار الذي كانت الجمعية العمومية للمجلس اتخذته برفض تعيين النساء في المجلس أحدث دوياً تخطي تأثيره حدود مصر وحول الأمر إلي قضية اهتمت بها الأوساط السياسية في كثير من دول العالم. فسر البعض تأجيل البت في الموضوع إلي أن "المجلس الخاص" فضل اتخاذ قرار نهائي في الموضوع في يوليو المقبل بعدما تنتهي فترة رئاسة المستشار محمد الحسيني لمجلس الدولة، علي أساس أنه تقريباً كان الوحيد المؤيد لتعيين النساء، وهي وجهة نظر تحمل كثيراً من الشكوك في مصير القرار، في حين اقتنع آخرون بأن المجلس يحتاج فعلاً إلي دراسة الموضوع بتأن وأن اللجنة التي شكلها المجلس برئاسة المستشار عادل فرغلي رئيس محكمة القضاء الإداري يتعين عليها وضع المقترحات المناسبة لإتمام مسألة التعيين. شخصياً أنا مع حصول المرأة علي حقوقها في المجتمع، وأن تسند إليها المهام الصعبة في مختلف المجالات، وأشهد بأن زميلاتي في مكتب صحيفة "الحياة" في القاهرة وطوال نحو عشرين سنة تشرفت بالعمل معهن كن دائماً نماذج مشرفة تحملن عبء العمل الصحفي وتميزن دائماً بالسعي إلي الخلق والابتكار والابداع دون التفريط في المسئولية أو الإخلال بواجبات العمل. ودائماً ما كنت أري أن المرأة بصفة عامة لديها دائماً من الدوافع والأسباب التي تجعلها أكثر حرصاً علي إثبات الذات والتفاني من أجل إبطال النظرة الدونية لدي بعض فئات المجتمع إليها. وكنت أيضاً لاحظت أثناء الحملة المساندة لتعيين النساء في مجلس الدولة خلطاً ما بين الاعتراض علي قرار الجمعية العمومية للمجلس وسعياً إلي تغييره وبين التجاوز في حق هيئة قضائية تستحق كل الاحترام. ويكفي النظر إلي نوعية القضايا والأحكام التي أصدرها مجلس الدولة علي مدي تاريخه لنعرف إلي أي مدي حمي المجلس المواطنين والشخصيات الاعتبارية في المجتمع من قرارات حكومية جائرة فأعاد الحقوق إلي أصحابها وأجبر دوائر رسمية في الدولة إلي التزام القانون. وعلي ذلك لا أعتبر أن قرار المجلس باتخاذ الإجراءات الجنائية ضد من يتطاول علي المجلس أو يتجاوز في حق أحكامه أو قراراته أو إعطائه قراراً يجب الاعتراض عليه. وللأسف الشديد فإن الانفلات الذي يعاني منه المجتمع المصري في مجالات مختلفة "ضرب" المعايير في مهنة الإعلام وتسبب في الخلط بين الاعتراض أو الاحتجاج وبين التطاول وارتكاب المخالفات. وفي أوروبا والدول المتقدمة تُفعل دائماً مواثيق الشرف الصحفي، ويظل حق الاختلاف قائماً لكن التجاوز والتطاول مؤثم قانوناً، ولأن القانون هناك يطبق علي الوزير قبل الخفير فإن الكل يحترمه ويحرص علي عدم مخالفته، أما في الدول العربية وغير المتقدمة، فإن تلك المواثيق تظل نائمة وحين تُفعل فإنها تضرب فقط بطون من ليس لهم ظهور. لم تكن النساء في معركة مع مجلس الدولة وإنما كن مدافعات عما اعتبرنه حقاً لهن ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال إغفال المواقف الوطنية لقضاء مجلس الدولة طوال تاريخه ولا مكانة المرأة التي تستحقها. المهم في الأمر أن تظل الدفعة التي نالتها النساء مستمرة وأن تشتغل للضغط علي قطاعات وجهات أخري في الدولة ما زال للنساء حقوق لديها. وبما أن البلاد مقبلة علي انتخابات مجلس الشوري وبعدها انتخابات مجلس الشعب فالأوان آن لنري تلك الجهات التي برز رموزها في الفضائيات وكيف ستضغط علي الأحزاب وأولها الحزب الوطني الحاكم لتنال المرأة حقها في الترشح علي قوائم الأحزاب وتحظي بالمزايا نفسها التي "يكوش" عليها المرشحون من الرجال أثناء الحملات الانتخابية ويوم الاقتراع نعرف أن قانوناً سُن لتحديد "كوتة" للمرأة في انتخابات مجلس الشعب لكن المرأة المصرية ستنال حقوقها "بحق وحقيقي" عندما تنافس مع الرجل في المجالس البرلمانية دون كوتة أو كوسة.