دعت أربعة أحزاب، من أحزاب المعارضة الكبيرة من بين أربعة وعشرين حزباً سياسياً في مصر إلي مؤتمر ائتلافي ديمقراطي بينها لمناقشة الطريق إلي إصلاحات دستورية، رأت فيها إصلاحاً لأحوال الحياة السياسية في مصر، واهتمت بتعديلات عاجلة لبعض مواد الدستور أخصها المواد 76 ، 77 ، كما دعت كذلك إلي تعديل لنظام الانتخاب وأسلوب الإشراف عليها، والتوازن بين السلطات، وقد عقد المؤتمر علي مدي ثلاثة أيام، أصدر بعدها توصياته وأعلنها إلي الرأي العام. ولم يقف الأمر عند الحوار والمناقشة، بين الجمع الحاضر من الأحزاب الداعية للمؤتمر والمدعوين من الخبراء والممارسين الحريصين علي مستقبل هذا البلد الأمين الذين دعوا إلي الحوار والنقاش، ثم اشتد الحماس وربما الانفعال عند البعض حتي وصل إلي الدعوة للامتناع عن المشاركة في الانتخابات القادمة.. أو الوقفات الاحتجاجية.. بل منهم من قال بالعصيان المدني!! وقد كانت الدعوة إلي حضور مؤتمر أحزاب الائتلاف الديمقراطي في حد ذاتها علامة تستحق الإشادة والتقدير، لأنها خطوة نحو تقوية الأحزاب بعضها البعض، ومساندة كل منها للآخر، كهدف مشترك للحوار، وهو ما أعلن عنه ممثلو الأحزاب الأربعة أن اجماعهم علي الدعوة لإجراء الإصلاحات لا يعني انقضاء شخصية كل حزب، ولا يعني الاندماج بينها، إذ إن كل حزب برؤيته وبرامجه وأيديولوجيته باق علي استقلاله، حتي ولو اشتركت جميعاً في الدعوة إلي الإصلاح، وهو طريق لشد أزر الأحزاب بعضها لبعض وتقوية الحياة الحزبية بصفة عامة، فضلاً عن أن الحوار في حد ذاته، والمناقشة بين الخبراء والسياسيين والعلماء والمواطنين من أجل مستقبل مصر فيه خير كثير، ولهذا كانت الدعوة تمثل نهضة قومية سياسية تحقق الاستنارة وتبادل الأفكار والآراء، كما تمثل صحوة سياسية في سبيل النهوض والإصلاح كل حسبما يعتقد، وتستحق الإشادة، ومع ذلك ما لبث أن وجهت إليها الطعنات والاتهامات والاستهانة!! نعم انهالت الاتهامات ضد الأحزاب الأربعة الداعية والمتحالفة، سواء من الأحزاب الأخري التي لم تنضم إلي الائتلاف الحزبي، أو بعض التيارات السياسية الأخري أو الأصوات المستقلة، جمعت الاتهام بعقد صفقة مع الحكومة، أو مع الحزب الوطني بحجز مقاعد انتخابية مقدماً، والبعض الآخر يتهمها بالمشاركة في التحالف ضد قضايا الوطن ومصالح المواطنين!! ووسط هذه الأجواء الصاخبة انطلقت بعض التصريحات الصحفية احتلت مانشيتات كبيرة وعناوين رئيسية وجهت أو روجت لاتهامات خطيرة تمس شرف الأحزاب السياسية المتحالفة ومسئوليتها أمام الرأي العام وقبل المواطنين وأعضاء الحزب أنفسهم، ما اضطرت معه هذه الأحزاب للرد عليها بأكثر منها وزيادة، فبادرت بإبلاغ النيابة العامة ومازالت التحقيقات جارية.. ومنها ما أحيلت إلي محكمة الجنايات ومازالت باقية في ساحة المحاكم. ونذكر منذ زمن بعيد وقد تعالت الأصوات بضرورة تنشيط الحياة الحزبية في مصر وتقوية عودها، بعد أن اتسمت بالضعف الشديد، ووصفها بعض الكتاب السياسيين بأنها كيانات تعيش علي المحاليل، والبعض الآخر وصفها بأنها هياكل صغيرة، رغم أن التعددية الحزبية، تعد أساساً للنظام السياسي في مصر منذ التعديلات الدستورية عام 1980 ، بل منذ صدور قانون الأحزاب السياسية عام 1977 أي منذ ثلاثة وثلاثين عاماً بالتمام والكمال!! بل قبلها عندما أعلن عن قيام المنابر أو الأجنحة داخل الحزب الواحد بعد أن تمرد علي نفسه! لكن الغريب أنه بعد مضي هذا الزمن الطويل، وبعد أن بلغ عدد الأحزاب 24 حزباً سياسياً قائماً في مصر.. وبعد أن تصاعدت الدعوة إلي تدعيم الحياة الحزبية.. بحسبانها مدارس سياسية حقيقية، وهي دعوة ليست في صالح حزب بعينه، أو ضد حزب بذاته، وإنما هي في صالح الحياة السياسية كلها، لذلك فإن الأمر لا يجب أن يقف عند حد الدعوة إلي تعزيز الحياة الحزبية بالكلام أو الشعارات أو حتي المؤتمرات، وإنما يجب أن تصاحب الدعوة إجراءات عملية توجب علي الأحزاب السياسية جميعاً النزول إلي الشارع السياسي والاتصال بالجماهير والاهتمام بالوحدات القاعدية، والإعلان عن برامجها حتي تزداد شعبيتها وأن تنال ثقتها، هذه الثقة والشعبية لا تتحقق بالشعارات ولا بالاتهامات وإنما بالعمل والإعلام والاتصال المباشر وخلق الكوادر وبناء القدرات السياسية، حتي يمكن أن تحقق تنافساً حقيقياً، وتداولاً للسلطة، بالعقل والمنطق والعمل، وعلي الدولة أن تبحث عن أسباب ضعف الحياة الحزبية وجمودها، وأن تمكن للأحزاب السياسية جميعاً، وأن تعمل علي تقويتها، ولسوف تظل الأصوات المستقلة بينها مؤمنة بالحياة الحزبية القوية، ومؤمنة بتقويتها، حتي لو بقيت علي استقلالها، لأن ذلك في مصلحة الأحزاب والمستقلين والحياة السياسية كلها، وإذا استمر الحال علي ما هو عليه من الوقوف عند الاتهامات أو إفساد محاولة التساند والائتلاف فلسوف تعود الأحزاب السياسية إلي حالة سابقة من الفساد التي كانت واحدة من الأسباب والأهداف التي قامت من أجلها ثورة يوليو منذ نحو ستين عاماً، ولن تعود الحياة إلي الوراء طالما اتسعت دائرة الحريات وقامت قواعد دستورية ونظام سياسي يقوم علي التعددية الحزبية وسيادة القانون حتي لو ظلت الأحزاب تتهم بعضها البعض وإن تحقق بينها وبين بعضها الائتلاف!!