لو طُلِب من الناس أن يصفوا العصر الحديث الذي نعيشه، فإن التسمية الأولي التي يمكن أن نصف بها هذا العصر هي أنه عصر القلق والعنف. ولعل نظرة سريعة إلي مجمل الأحوال الدولية، وإلي تفاصيل الحياة اليومية تجعلنا نعتقد أننا غير رحماء بأنفسنا وغير أمناء عليها.. فنحن نقلق من إصابتنا بالقلق، ونحن نخاف من أن نشعر بالخوف، فنبادر بالعنف، ونبادر الآخرين بالعنف، ونصِّدر إلي الآخرين ما نخاف منه.. نفعل هذا رغم أن ديننا الحنيف ينهانا عن ذلك ، والرسول الكريم يصف لنا الدواء الناجع والناجح لذلك .. جاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقال له يا رسول الله أوصني، وظن الرجل أن الرسول سوف يذكر له ما عظم من الأمور التي إن ذهبت إلي شيخ من شيوخ هذا العصر ستجده يصدمك بها، من بعد عن الحياة، وتذكير بالموت، وحض علي الزهد، ودعوة إلي اعتزال الناس والحياة،.. ولكن الرسول الكريم بدلاً من ذلك، أعطاه روشتة عصرية للقضاء علي القلق، وللتخلص من العنف، وقال له: لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب.. وكررها مراراً.. والرسول الكريم يعرف داء العصر، ويصف الدواء الملائم له.. عدم الغضب، والرفق بالنفس وبالآخرين.. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا علي بوله سجلاً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين".. وتخيل عزيزي القاريء لو كنت مكان الرسول ، أو لو حدث لك شيء قريب من هذا، ماذا كنت ستفعل؟! غير أن الرسول كان رفيقاً بنفسه فلم يغضب، ولم يعمه الغضب عن رؤية الموقف في إطاره، وفي أن يلتمس لهذا الأعرابي العذر بعدم المعرفة، بل إنه أمر صحابته بأن يتركوه حتي يتم بولته، وألا يزعجوه في أثناء ذلك.. منتهي الرفق بالنفس بعدم الغضب، وبالآخرين بعدم تعريضهم للأذي . وتروي السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف، وما لا يعطي علي سواه".. وعنها أيضاً أنه قال "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"، وأيضاً "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله".. فالرسول الكريم يؤكد أهمية الرفق في كل الأمور ، حفظاً للنفس ، وحماية لها من الأمراض النفسية وغير النفسية من ناحية، وحفظاً للآخرين من الاعتداءات اللفظية وغير اللفظية من ناحية أخري. إن من يقرأ عن معدل الانتشار المتزايد للأمراض النفسية في العالم حالياً مثل القلق والخوف والشعور بالعزلة والاكتئاب، وما يرتبط بها من أمراض عضوية كالسكري والضغط والأزمات القلبية والجلطات وغيرها، يكتشف سريعاً أن هناك عاملاً واحداً وراءها وهو عدم الرفق بالنفس، وعدم الرفق بالآخرين.. وعلاج ذلك كله لا يكون إلا بهما.. الرفق بالنفس وبالآخرين، كما أشار الرسول الكريم الذي قال "من يحرمِ الرفقَ يحرمِ الخيرَ كله" صلي الله وعليه وسلم.