لا أحد يرفض الوظيفة الترفيهية للمسرح، ولكنها ليست الوظيفة الوحيدة له كما يبدو في المسرح المصري الآن. حضر هذا الهاجس ثقيلاً علي عقلي وقلبي في الندوة التي أقامتها د. عواطف سراج الدين بنادي العاصمة للحوار حول السكان والتنمية مع السفيرة مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان. دار الحوار حول محاور مختلفة مثل محو الأمية ودعم المشاركة السياسية وتحفيز الأمل لدي الأسر غير القادرة ودعم قضايا المرأة، وجودة التعليم الأساسي وغيرها. وتحدث د. عبد العزيز حجازي عن دور الإعلام الضروري في دعم تلك القضايا. فقلت له وللحضور إن الإعلام غير المباشر لا يأتي بنتائج ملموسة مع تلك الفئات الاجتماعية التي يجعل الفقر منها مجموعات محرومة من الأحلام الخاصة والعامة، وهنا يأتي دور المسرح القادر علي الحوار وإثارة الخيال ودعم الإرادة الإنسانية، والذي يفجر في الناس القدرة علي التلقائية والارتجال وحق التعبير الذاتي عن النفس، وهنا يمكن للحوار القائم علي الاتصال المباشر أن يحقق تعديل سلم القيم ويدعم رغبة الفرد غير القادر في تحسين وجه حياته اليومية. وذكرت تجربة أمريكا اللاتينية في مسرح المقهورين، فتحدثت د. مشيرة خطاب عن متابعتها للتجربة هناك وعن مقدرة فقراء أمريكا اللاتينية الخلاقة في استخدام الفنون في تطوير وتنمية المجتمع، ثم أشارت إلي صعوبة تطبيق ذلك في مصر خاصة مع الحالة التي يعيشها المسرح المصري الآن وما يحدث فيه من أجل جذب الجمهور. فقلت لنفسي معها كل الحق والسعي نحو ما هو تجاري قد صار هو السمة الأساسية للمسرح المصري. أما التجارب الحقيقية فمازالت غير منظورة ومحاطة بجدار حديدي من الصمت الإعلامي مثل تجربة مسرح القرية والتنمية البشرية المخرج أحمد إسماعيل وغيرها من التجارب المهمة الأخري. والحق أن المسرح المصري يحتاج للاشتباك مع قضايا التنمية البشرية من أجل تجديد الثقة العامة فيه من أجل عودته كضرورة للناس وللدولة معاً، من أجل تخليصه من التصور الخاطئ عنه كوسيلة ترفيهية عابرة. أما الشكل المسرحي الذي أقصده كوسيلة للحوار مع التجمعات البشرية في الأحياء الشعبية والمناطق المعزولة في القاهرة وجميع أنحاء مصر، فهو شكل يقوم علي فضاء جمالي مختلف، فيه ينخرط الجمهور في استكشاف حقائقه الاجتماعية حيث تتحول التجربة المسرحية إلي مختبر للخبرة الجماعية والتعلم الحواري، ويصبح المسرح ممكناً كوسيلة تعليمية للفقراء والكادحين في مصر. كما حدث في حملة المسريح الشهير أوجست بوال في محو الأمية في بيرو بأمريكا اللاتينية عام 1973. وهي التجربة التي اعتمدت علي الجسد ومسرح الصورة ومسرح الجريدة الحية كوسيط تعبيري ولغة للتواصل اليومي مع الأميين، حيث تحول المسرح لحلقة نقاش عامة، قام الجمهور فيها بمساعدة المدرب أو المسير للحوار بصناعة شكل العرض المسرحي، وهو نوع من المسرح لا يسعي لتقديم النصائح والإرشادات بل يسعي لاستفزاز الإرادة الإنسانية التي يسلبها الفقر وتدمير الإحساس بالضعف والإفلات من الصور النمطية المحدودة التي تجعل من قهر الفقر والبيئة المحيطة جداراً بين الفرد والفرص المهنية والاجتماعية الأفضل. إنه مسرح علاجي يعيد للذات المحاصرة الأحلام بالحق في التعليم والعمل والزواج والسعادة والكرامة وكم من فئات سكانية في مصر تحتاج لمن يدعهم داخل مناطقهم الفقيرة بتلك الأفكار المهمة التي هي ضرورة للمجتمع وللدولة معاً مثلما المسرح ضرورة ومدرسة وضمير شريف، وليس مجرد وسيلة للضحك واللهو والتسلية.