تناقشت مع بعض طلاب وطالبات الجامعة حول مفهوم الحرية الشخصية والقيود التي تحد منها، لعل بعض الطلاب يعتقدون أن حريتهم الشخصية تنتهك إذا أبدينا ملاحظة حول بعض التصرفات التي قد تدخل - علي حد قولهم - في نطاق الحريات الشخصية، فقد يذرفون الدموع حسرة إذا طلب الأستاذ منهم غلق التليفون المحمول أثناء المحاضرة أو إذا طلب منهم عدم حمله إلي قاعة الامتحانات أو إذا طلب منهم مراقب الامتحان إبراز ما يكشف الهوية. ورغم أن الطالبات كن علي الدوام أكثر حرصا من الطلاب علي أداء الامتحان في هدوء أن بعضهن رفضن هذا العام الامتثال لتلك التدابير والضوابط التي تضمن نزاهة الامتحانات وفضلن مغادرة القاعة من دون الاجابة عن الاسئلة. من الواضح أنه قد حدث سوء فهم لمعني الحرية الشخصية في محيط طلاب الجامعة، سوء فهم يجب أن يتداركه المجتمع بشكل عام والمجتمع الجامعي، بشكل خاص قبل أن تستفحل الأمور وتخرج عن نطاق السيطرة. من الواضح أن طلابنا لا يدركون أن الحرية التي يتمتع بها أفراد أي مجتمع ليست مطلقة ولو كانت كذلك لعمت الفوضي، تجدر الاشارة هنا إلي نظرية العقد الاجتماعي التي طرحها الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز في القرن السابع عشر والتي ساهمت في صياغة وثيقة إعلان استقلال الولاياتالمتحدةالأمريكية "1776م" جدير بالملاحظة أن هذه النظرية تشير إلي أن أفراد المجتمع يتفقون علي إنشاء مؤسسات تتولي المحافظة علي النظام الاجتماعي من خلال سيادة القانون. لا شك أن هذا الأمر يأتي متسقا مع القانون الطبيعي الذي يتمثل في سعي الإنسان للبقاء وتحقيق السعادة. ووفقا لرأي هوبز فإن السبيل الوحيد لتحقيق النظام هو أن يخضع الإنسان لأوامر السلطة. أما الفيلسوف الإنجليزي جون لوك فإنه يري أن الحاكم هو المنوط به المحافظة علي قوانين الطبيعة ومن ثم فعليه حماية أرواح المواطنين وحرياتهم وممتلكاتهم. ويتفق الفلاسفة هوبز ولوك وجان جاك روسو "الفيلسوف السويسري" في أن تحقيق المصلحة العامة للمجتمع من خلال مؤسسات السلطة التي تسعي لتوفير الأمن والأمان يتطلب تنازل الأفراد عن بعض الحريات الشخصية. ولتوضيح ذلك نسوق مثالين، أحدهما يتعلق بحرية السفر والآخر يشير إلي حرية قيادة السيارات. عندما نرغب في السفر إلي بلد ما فإنه يتعين علينا الحصول علي تذكرة طائرة قبل التوجه إلي المطار وعندما ندخل إلي صالة السفر في المطار فلابد أن نخضع للإجراءات المتبعة، فمثلا قد نخضع للتفتيش الدقيق كما حدث معي في مطار هيثرو بلندن حيث اضطررت وبقية المسافرين إلي خلع الأحذية، والسؤال الذي نطرحه هنا هو: هل يعتبر هذا تعديا لحقوقنا وانتهاكا لحرياتنا؟ لا أعتقد ذلك لأن المسافر الذي لا يرغب في احترام "العقد الاجتماعي" المتمثل في الخضوع للتفتيش فإنه يستطيع أن يفعل ذلك شريطة أن يلغي السفر ويعود إلي منزله. أما المثال الآخر فيختص بقيادة السيارات: إذا أردنا أن نقود سيارة فينبغي أولا أن نحصل علي ترخيص رسمي معتمد من السلطة المختصة، وحتي بعد الحصول علي الترخيص المطلوب فإنه يتعين علينا الامتثال للعقد الاجتماعي المعروف "بقانون المرور" وفي حالة المخالفة "تجاوز السرعة المقررة مثلا" تسحب الرخصة أو توقع غرامة. وقد يقول قائل: إن تحرير مخالفة مرورية يعتبر انتهاكا لحرية الإنسان. وهذا القول مردود عليه لأن المخالفة التي نرتكبها قد تعرض حياة الآخرين للخطر. وهنا قد يردد البعض أن هنالك مخالفات لا تمثل انتهاكا لحقوق الآخرين. فعدم ارتداء الحزام يعد مخالفة تستحق الغرامة غير أن النتائج المترتبة علي هذه المخالفة تمس قائد المركبة فقط ولكنها لا تنسحب علي الآخرين. وهذا أيضا يمكن الرد عليه بأن مفهوم "العقد الاجتماعي" يلزم الدولة بتحمل مسئولية توفير الأمن والسلام لقائد المركبة مما يوجب عليه اتباع التعليمات الصادرة. وإذا انتقلنا الآن لدهاليز الجامعة وقاعاتها فإننا نواجه الموقف نفسه حيث يلتحق الطالب بالجامعة وفقا للعقد الاجتماعي بين الطالب وسلطات الجامعة. وهذا العقد الاجتماعي يتمثل في القانون "قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972م" الذي يحكم عمل الجامعة ويبين حقوق وواجبات الطالب. فالطالب يمارس حريته الشخصية خارج قاعات الدرس والامتحان، كأن يمزج مع زملائه أو يتناول المأكولات والمشروبات أو يتحدث في التليفون المحمول غير أن هذه الحرية الشخصية تتوقف بمجرد أن يدخل القاعة سواء لحضور الدروس أو لأداء الامتحان. فالطالب يتوقف عن المزاح وتناول المأكولات والتحدث في المحمول وخلافه وعليه أن يكشف عن هويته إذا طلب منه ذلك ويمتثل لضوابط أداء الامتحان. وفي حالة مخالفة ذلك فقد يتعرض للعقوبة وفقا للمواد الواردة في العقد الاجتماعي "قانون تنظيم الجامعات"، تماما كما يحدث في مخالفات المرور.