لقد كانت أمريكا وغيرها من بلاد العالم ضحايا أعمال العنف التي ارتكبها المتطرفون باسم الإسلام ما حدا بالمسئولين الشرقيين والغربيين لأن يتساءلوا: أين المسلمون المعتدلون؟ نظرًا لما يرونه بأعينهم من تطرف يظهره بعض المتطرفين. ومع ذلك، فقد بات أمر التوفيق بين الإسلام والعالم الحديث أمرًا ملحًا بالنسبة للمسلمين، وأصل القصة يعود إلي القرن التاسع عشر حينما وُلدت حركة التجديد الإسلامية من رحم الأزهر الشريف بالقاهرة، أكبر مؤسسات التعليم الديني في العالم الإسلامي. إننا في دار الإفتاء المصرية نبذل جهودًا دءوبة نحو التواصل بين الإسلام والعالم الحديث، فنحن نصدر آلاف الفتاوي بشأن حق المرأة في الكرامة والتعليم والعمل و تولي المناصب السياسية، وإدانة العنف في معاملتها، كما أيدنا الحق في حرية الضمير وحرية التعبير ضمن حدود اللياقة المشتركة. لقد عززنا من المشترك الذي يتقاسمه الإسلام والمسيحية واليهودية وغيرها من الديانات الشرقية، وشددنا علي أن دائرة المشترك أكبر بكثير من دائرة الخلاف. إننا ملتزمون بالحرية الإنسانية وفق ما تمليه الشريعة الإسلامية، ومع ذلك علينا أن نحرز تقدمًا ملموسًا بشأن هذه القضايا وغيرها. لقد أدنا وبشكل قاطع العنف ضد الأبرياء خلال تجربة مصر المرة مع الإرهاب في الثمانينيات والتسعينيات وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر المروعة، ومازلنا نقوم بذلك في مناظراتنا العامة مع المتطرفين حول رؤيتهم للإسلام وفي تدريبنا للطلاب الذين يفدون من شتي بقاع الأرض في معاهد مصر الدينية، وفي جميع المحافل الدولية، وباعتباري مفتيا لدار الإفتاء المصرية والتي تعد من أهم المرجعيات الإسلامية في العالم فإنني أسعي حثيثا لنشر الفكر الأزهري الذي يتسم بالوسطية والاعتدال في جميع الفتاوي التي تصدرها الدار. وفي حين أن علينا أن نسعي لتعزيز المبادئ والقيم المشتركة، يتعين علينا أيضًا أن نقبل واقع الاختلاف في قيمنا وأفكارنا، فالنظام الإسلامي مختلف عن النظام الياباني، واحترام الاختلافات التي بيننا هو أساس للتعايش لا الصراع. إن الرئيس أوباما منذ الانتخاب التاريخي له منذ أكثر من عام ونصف العام مضي قد عزم علي التواصل مع العالم الإسلامي، هذه المبادرات حظيت بترحيب من الكثيرين ومنهم أصدقاؤنا اليابانيون. غير أنه وفي رصدنا لهذا التغيير في الدبلوماسية العامة، وخصوصًا في ضوء كمية الاهتمام المسلط علي العالم الإسلامي اليوم في كل من الشرق والغرب، أعتقد أن الخطوات العملية اللازمة لتحويل هذه الأمنيات الطيبة إلي علاقة مستمرة وثقة واحترام متبادلين. هذه هي الرسالة التي أود أن أنقلها نيابة عن العالم الإسلامي في طوكيو هذا الأسبوع. بداية، من البديهيات إنه حتي يكون الإسلام لاعبا أساسيًا في عالم اليوم لابد أن يكون العلماء المسلمون المؤهلون هم من لهم الحق في التحدث باسم الإسلام، وقد رأينا في أحيان كثيرة أن وسائل الإعلام الغربية تستجيب للإغراءات وتعتبر المتطرفين الذين لا يمثلون إلا أنفسهم تيارًا سائدًا. نحن شركاء في المسئولية، لذا فقد آن لعلماء المسلمين أن يجهروا بمهمتهم وأن تكون لخلفياتهم العلمية مكانة وأداء، وفي الوقت ذاته ينبغي علي وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية وحكومات العالم أن تكثف من جهودها المشتركة مع العلماء. وهكذا يمكن لإسلام أكثر اعتدالاً أن يسكت أصوات الأقلية المتمسكة بالتعاليم المتطرفة، وثمة تقدم هائل يتم إحرازه اليوم في أرجاء العالم الإسلامي لتثقيف الدعاة وطلبة العلم الشرعي، كما تتم مساعدتهم علي الانخراط مع مقتضيات العصر علي نحو أكثر إنتاجًا. في غضون ذلك، يتحرك العلماء في جنبات العالم مقترحين مبادرات عن الحوار وتحسين العلاقات بين الأديان، كمبادرتي كلمة سواء، ومجلس الحوار العالمي CI . ثانيا: من الضروري أن يكون حوارنا متعدد الأوجه، وبعيدا عن الدعوة النظرية لفتح صفحة جديدة من العلاقات الطيبة، هناك حاجة ماسة لتوسعة الحوار وجعله متعدد الأوجه، ليشمل الجوانب الثقافية والعلمية والاقتصادية والتنموية، ينبغي أن تكون هناك علاقات وثيقة بين الجامعات ومراكز البحث، فتبادل المعرفة في أوساط الشباب وقبل أن تسود التعصب والقولبة، يعد أضمن الوسائل التي تعين علي نشر التسامح بين أوساط قادة الأجيال القادمة في كلا الجانبين. ثالثا: إنه يجب أن تكون السياسة الخارجية المتزنة أساسا لتحسين العلاقات، فبالنسبة للعالم الإسلامي، خاصة عند علماء الدين، من الضروري سيادة القانون في أوقات النزاع، ولابد من وجود جهد منسق من كلا الجانبين لاحترام القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة والشرعية الدولية. ومع إعلاء قيمة القانون، تسود العدالة ولا يستطيع أحد الاختباء وراء ذرائع كاذبة، وإن كان من تطبيق لذلك فليس هناك ألح من القضية الفلسطينية خاصة في ظل الإجراءات التعسفية التي تتخذها الإدارة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وآخرها قرار الحكومة الإسرائيلية بناء مستوطنات جديدة في القدسالشرقية وعزمها ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلي التراث الإسرائيلي ولا يمكن أن يكون هناك اعتراف عالمي بإسرائيل إلا بإقرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين واستعادة الأراضي المحتلة ووقف هذه الإجراءات التي لا تخدم السلام بين الطرفين. لئن كان قولي بأن الحوار طريق ذو اتجاهين قولا يعد من المسلمات، فلا يزال الحوار هو القضية الأساسية التي هي عرضة للفقدان، ولست في شك من أن مسئولية تحسين العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب تقع علي كاهل الجانبين، وأشعر أن هذا ليس أمرا ممكنا فحسب، ولكنه الطريقة الوحيدة التي تمكننا من عالم أكثر إشراقا وازدهارا لأطفالنا وأحفادنا، وبالتعاون والاحترام المتبادل لا شيء يستحيل علي الإنسان.