في نفس اليوم الذي استمعت فيه إلي الحكم بقبول محكمة النقض للطعن علي حكم إعدام رجل الأعمال والبرلماني المصري المعروف هشام طلعت مصطفي الذي أدانته محكمة الجنايات بالتحريض علي قتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، شاهدت علي إحدي الشاشات المصرية مواطنا مصريا آخر، إنه عم إبراهيم، وقد طعن في السن يقطن في مكان بائس يعوم علي رشح مياه الصرف الصحّي بإحدي عشوائيات مصر، التي كشفت تقارير الأمم المتّحدة أنّها تصل إلي حوالي1200 منطقة يقطنها حوالي 16مليونًا! ظهر عمّ إبراهيم يعلّق من حيث لا يدري أو يقصد علي قضية هشام طلعت مصطفي التي حوّلها الإعلام إلي قضية رأي عام، سيرتّب لها بكل تأكيد كمطمح لأفلام السينما ومسلسلات التليفزيون. كان عم ابراهيم يتكلّم عن نفسه، يطالبنا بالتدخّل في حياته كمافرض علينا هشام مصطفي التدخل في مجمل تفاصيله، يسألنا عم ابراهيم أن نشاركه التفكير في كيف يمكنه أن يدبر حياته وحياة أسرته بمعاش شهري مقداره ثلاثة وستّون جنيها مصريا! في مقابل ملايين الدولارات التي بدّدها رجل الأعمال في مشواره الغرامي.. لا تستطيع الكتابة ولايملك الإعلام أن يدع الطرق المؤدّية إلي هذا التناقض الاجتماعي المنهك للناس والمولّد للاحتكاك في مصر دون وضع علامة - خطر! والخطر هو أن يتجاهل مانسمّيهم برجال الأعمال، إن عم إبراهيم مواطن مصري يتنفّس وله حقّ الحياة مثلهم لايمكنه هو والملايين من أمثاله من أن يقوم بتخطيط حياته وتنظيمها، يقول الرجل الغلبان "أضع علي جنب من ال 63 جنيهًا قيمة إيجار المسكن لا أقربه حتّي لو جعت أو جاع أولادي"! أين تركنا له من الملايين المبدّدة علي مشوار غرام وانتقام الذي شغلنا كقضية رأي عام، من قدرة ومهارة للوصول إلي هدف ما؟ أم إن الرأسماليين المصريين المحترمين قد استحقّوا لقب رجال الأعمال كلغو فارغ لا معني له؟ ليس النشاط الاقتصادي فحسب، للمجموعات الرأسمالية ومن بينها مجموعة طلعت مصطفي التي تعمل في مجال العقارات له دخل بإزالة العشوائيات أو تطويرها أو جعل ظروف الحياة فيها محتملة علي الإخوة المصريين الذين يقطنونها، وإنّما لقد منحوا الفرصة السياسية والإدارية والتنفيذية أيضا علي قمّة المجتمع! هل ستلحق الرأسمالية المصرية بتعبير تجديد نفسها! قضية سوزان تميم ليست القضية الوحيدة التي تقدّم إجابة متلعثمة علي السؤال، حين ننتبه إلي عودة رامي لكح من إبعاد نفسه إلي الخارج في نفس الظروف، وبالمناسبة يعلن عزمه علي ترشيح نفسه للبرلمان! وحين نراجع أرقام المليارات من الجنيهات التي اقترضها رجال الأعمال من البنوك، منهم من هرب، ومنهم من توقّف عن السداد، وتكاد لا توجد شركة أو مجموعة لرجل أعمال إلاّ ومدينة حتي كتابة هذه السطور للبنوك المصرية بالمليارات. ولا توجد في الاقتراض مشكلة، إلاّ حين نقرن النشاط والأرقام لنراها تصبّ في جيوب الأغنياء وجهابذة رجال الأعمال كأن المصريين يعيشون لهم وكل شيء يرسم من أجلهم والأموال والغني والرفاهية لايعرف طريقه إلاّ إليهم! وليتهم ينجحون لتبدأ رحلة المغامرة والتحدّي بديلا عن كلّ رحلة مشبوهة. لا نكون في حاجة إلي كثير فطنة حين نخلص إلي أنّ رجل الشارع المصري تذهب نفسه حسرات حتّي وإن انهمك البعض في شغله علي هوامش قضية مقتل سوزان تميم. قصص الصراع بين طاقم الدفاع، أدّت إلي كشف عشرات الملايين التي تقاضاها محام واحد، ولايوجد شيء جديد يثير القلق في امتداد النفوذ المالي والسياسي لهشام طلعت مصطفي إلي داخل محبسه. وفي الغرفة المجاورة له مباشرة عمر الهواري إذا كنتم تتذكّرونه الذي يقضي عقوبة السجن في قضية القتل الشهيرة التي ارتكبها منذ عدة سنوات في مطعم بمركز "أركاديا" التجاري بكورنيش النيل بمنطقة بولاق أبوالعلا. يضم محنته إلي محنة هشام وينبّهنا إلي عشرات السنين ولم نضع أيدينا بعد علي ظاهرة مثيرة للقلق فيما يسمي بالإصلاح الذي ننشده. لا نلتفت كثيراً إلي الفرص والعوائق التي يواجهها المصري في حياته اليومية، والتي حان الوقت لأن توضع بجدّية وبقوّة القانون علي أجندات رجال الأعمال الذين يتوجون كل يوم علي أنّهم عراب المستقبل. وتثبت قضاياهم وما تورطوا فيه من فشل، أنهم قادرون علي إنفاق الملايين علي مغامراتهم الخاصة بما يدفع إلي إثارة الشكوك في أدبيات الحزب الوطني نفسه حين تحفل بإشارات مصاعب المصريين.. وكلّ شي لا يجد له منفذا إلاّ في سياق الهجوم علي الحكومة والنظام.