لا أعتقد أنه من الحكمة أن ندع النائب.. أي نائب يفلت من العقوبة أو الجزاء الذي يستحقه لأننا إن سمحنا بذلك سوف نبدو وكأننا نضع، وباختيارنا، علي رأس كل نائب ريشة.. ليفعل ما يحلو له.. وما يشاء لأنه يعلم مسبقا أن لا أحد سوف يحاسبه أو يؤاخذه.. لا داخل أسوار المجلس الموقر.. ولا حتي خارجه.. فهو يمتلك حصانة وفوق كل هذا وضع البعض منا ريشة فوق رأسه تحميه عندما يرتكب خطأ.. أو يقترف جريمة.. أو يخالف واجبات وظيفته كنائب يجب أن يكون قدوة حسنة لمن انتخبوه وأدخلوه باب سيد قراره! وربما يتساءل البعض لماذا أكتب الآن مثل هذا المقال.. لماذا أطالب -الآن بالذات- بمحاكمة أي نائب مخالف حتي لو كان من نواب الحزب الحاكم نفسه؟.. وبسرعة أرد علي هذا البعض بأن تجاوزات بعض النواب قد زادت علي الحد سيما في الآونة الأخيرة.. وبأن السكوت علي هذه المخالفات وتلك التجاوزات من جانب بعض نواب الشعب.. هذا السكوت يعني أول ما يعني أننا بتنا راضين عن هؤلاء النواب الذين باتوا يشعرون أنهم أقوياء وأشداء يحق لهم أن يفعلوا ما لا يستطيع غيرهم أن يفعله أو يجرؤ علي فعله.. ويقولون "السكوت علامة الرضا".. لكن هل نحن راضون عنهم.. طبعا الإجابة الصحيحة هي ب"لا".. إذن إلي متي نظل نسكت عن تجاوزات بعض النواب ومخالفاتهم سواء تحت القبة أو خارج أسوار البرلمان؟! وللأسف، فإن بعض هؤلاء النواب المخالفين استمرأوا في العام الأخير لبرلمان 2005 لعبة الخروج علي المألوف.. داخل البرلمان يخطأون "علنًا" وبعدها يعتذرون "سرًا".. بمعني الخناقة تكون في الشارع والصلح يكون في حارة.. والناس، كل الناس، شافوهم وهما بيناضلوا ويتجاوزوا تحت القبة.. ولكنهم لم يروهم وهم يعتذرون سرا لرئيس المجلس الموقر في مكتبه دون أن يراهم أحدا أو يمسك عليهم أي شخص هذا الموقف! ولعلي لن أكون مغاليا أو مجترئًا علي أحد من النواب حين أقول إن بعضهم لا يقتصر تجاوزه أو تكون مخالفته -فقط- داخل أسوار البرلمان العتيق.. بل إن أغلبهم يرتكب تجاوزاته ومخالفاته إما تحت أضواء القنوات الفضائية أو علي صفحات الجرائد الخاصة.. وجل هم هذا البعض أن يزداد شهرة بين الناس والرأي العام.. وأن يكسب مؤيدين جددًا له بين أبناء الدائرة.. وأن يرهب بعض صغار المسئولين في الوزارات والهيئات الحكومية فيعملون له ألف حساب!. وأظن أن أي نائب شريف لن يرضي بأن يضع له الآخرون ريشة علي رأسه.. نعم الشرفاء من النواب كثر والحمد لله.. ولكن هناك قلة من النواب هم من يصح أن نطلق عليهم "نواب علي رءوسهم ريشة"! وأرجو -صادقا- ألا يغضب أغلب النواب من هذا المقال.. فالمقصودون من هذا الانتقاد هم النواب الذين "فلت عيارهم".. ومثل هؤلاء يجب أن نقول لهم: "عفوًا.. قف عند حدك يا سيادة النائب.. الموقر"! المشكلة أن بعض هؤلاء النواب المخالفين يظنون أن أفعالهم تلك سوف تضيف إلي رصيدهم لدي أبناء الدائرة بالزيادة.. وتقديري أن ظنونهم هذه بعضها إثم.. بل إن كلها آثام.. لماذا.. لأنهم ربما لم يقرأوا مرة واحدة المثل الشهير القائل: تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت.. ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت"! لا أقصد بذلك أن أدين كل نائب ارتفع صوته، بحق، وجلجل تحت القبة.. ولا أقصد بذلك كل نائب اجتهد في خدمة كل الوطن باعتباره نائب شعب.. فأخطأ.. فربما كان كافيا لهذا النائب أن يدافع بصدق عن الحق الذي يراه من وجهة نظره.. وربما كان كافيا لذاك النائب القول بأنه اجتهد ولكن التوفيق لم يكن حليفه! سوف ينبري البعض من النواب -المخالفين طبعا- ليقول متهما صاحب هذا المقال: مالي أراك هكذا.. لماذا تتجني علينا بمثل هذا الشكل؟!.. وسوف يحاول البعض الآخر البحث عن نقاط ضعف لدي صاحب هذه السطور.. وسوف يفتش كل نائب صاحب خيال مريض عن نقيصة ينسبها إلي هذا القلم. شيء من هذا ربما مر بخيالي وأنا أكتب هذا المقال.. ولكني لم أكترث.. هل تعلمون لماذا؟! لأنني -وبصراحة مطلقة- لا أتجني علي أي من السادة النواب المحترمين.. ولكنني أيضا، وفي نفس الوقت، لا أملك ترف السكوت عن مخالفات زملائهم تحت القبة وأخطائهم الجسيمة خارج أسوار سيد قراره! لقد كتبت بعض ما أشعر به وأعرفه بشكل يقيني من خلال قرابة ثمانية أعوام قضيتها في شرفة الصحافة متابعا للجلسات وراصدا لما يجري سواء تحت القبة أو في كواليس البهو الفرعوني.. وحين جري القلم علي الصفحات لم أكتم معلوماتي ولم أحجب رأيي.. ولم أحاول تخفيف عباراتي تجنبا أو تفاديا لأي هلوسات قد تأتي من جانب أي نائب مخالف وزاعق من أصحاب الخيالات المريضة! لم أكترث -لحظة واحدة- بينما كان قلمي ينقل علي الورق بعض ما في عقلي.. لم أتحفظ علي بعض عباراتي.. وتركتها تنسال دونما خوف أو رهبة تملأ فراغات السطور الجائعة.. ولم أفعل ما فعلت إلا لأنني بالفعل لا أبحث عن فضيحة قد يتصورها النواب أصحاب الخيال المريض.. ولو كنت أسعي للفضيحة لامتلأت هذه المساحة بأسماء كبيرة رنانة أصحابها نواب يتجاوزون ويخالفون ويخطئون دون أن يجفل لهم أي رمش.. لإدراكهم الزائف إما بأن "الميه ما تطلعش في العالي".. أو ليقينهم الثابت بأن الريشة التي علي رأس أي منهم سوف تحميهم وتمنع أي أحد من محاسبتهم! لم أكترث -علي الإطلاق- خشية ما قد يدعيه أحد من السادة النواب المتجاوزين.. لم أضع أي تحفظات في ثنايا سطور هذا المقال.. حاولت أن انتقد، ولكن دون تجريح أو تشهير، تصرفات وأفعال يأتي بها بين الحين والآخر بعض النواب.. قلت كل ما قلت دون وجل.. وكتبت كل ما أعرفه دون رهبة.. لم أكتم شيئًا مفيدا عرفته.. أو أحبس معلومة قد تفيد. وفي النهاية أريد أن أقول إنني رغم إدراكي بأن من سيغضب من هذا المقال هم كل نائب مخالف أو مخطئ أو متجاوز.. ورغم يقيني بأن غضب اللي علي رأسهم ريشة قادم.. قادم.. ورغم خشيتي أن يظن هؤلاء النواب أو غيرهم أن سطوري هذه "ضرب تحت الحزام" سيما في مثل هذا التوقيت الحرج.. إلا أن يقيني الأكبر وإدراكي الأكثر هو أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح!