من بين ما استوقفني فيما قال جمال مبارك في الأقصر، خلال حواره مع مجموعة من الشباب، في لقاء يبثه موقع "شارك"، ذلك التناول للحياة الحزبية في مصر.. وما يمكن اعتباره تصنيفا لقواها.. إذ كان جمال يتحدث عن أهمية الحياة الحزبية.. وضرورة الاستناد إليها في الترشيح للانتخابات الرئاسية. كان أمين السياسات يتحدث عن أن أحد مقاصد المادة 67 من الدستور هو أن تترسخ الحياة الحزبية.. لأن المادة تمنح تمييزا للأحزاب.. ولأن المرشح لابد أن يستند إلي حزب يعبر عن أرضيته.. وأنه ليس منبتا عن الواقع.. ومن ثم فإنه قال: إن في مصر عدداً كبيراً من الأحزاب.. وفيها ما يعبر عن التيارات السياسية المختلفة.. وذكر جمال بالتحديد أحزاب الوفد والتجمع والجبهة الديمقراطية.. وقال إنه لا يعتقد أن القضية هي نشوء أحزاب جديدة في ظل تعبير تلك الأحزاب عن ألوان الطيف السياسي. ولست أدري ما هو السبب الذي دعاه ألا يذكر في ذات السياق اسم الحزب الناصري.. وأعتقد أن المعني الإجمالي هو أنه توجد أحزاب تعبر عن الألوان السياسية المختلفة.. فإذا كان الجبهة حزبا يمينيا.. والوفد أقرب إلي ذلك نظريا.. وإن كان يميل إلي الوسط.. فإن الناصري نظريا هو يسار الوسط بينما التجمع علي يسار الجميع.. أو هو وعاء أشمل يضم تيارات مختلفة من اليسار. عمليا تلك هي الأحزاب الأكثر تماسكا في الساحة - لها رأس وجسد وأقدام - عندها رؤي واضحة حتي وإن افتقد بعضها البرامج التفصيلية.. أغلبها لديه كوادر واضحة.. وإن عاني بعضها من الفقر في الأسماء.. وفيها بنيان تنظيمي.. قوي أو ضعف لكنه موجود.. ولكل منها مناطق نفوذ.. تتسع أو تضيق من حزب إلي آخر. ومن المهم الانتباه إلي أن تلك الأحزاب هي التي بصدد عقد مؤتمر سياسي سوف تتكلم فيه عن موضوعات تتعلق بالتعديل الدستوري.. وإن كنت أظن أنها سوف تستغل المؤتمر لترسية مبادئ بعينها.. أكثر من خوضها العميق في السعي إلي تعديل دستوري فوري.. هي تدرك أنه هدف بعيد ولا يمكنها أن توفر الزخم السياسي من أجله.. والقاعدة هي أنه إذا أعلن السياسي هدفا فلابد أن يكون قادرا علي تحقيقه. وإلا فإنه يكشف ظهر نفسه أمام ناخبيه وأعضاء حزبه.. ويصبح كمن يقول كلاما في الهواء الطلق. وهنا لابد من تسجيل عدد من الملاحظات.. الأولي منها حول طريقة تفكير أمين السياسات في الأمر.. وهنا أعود مجددا إلي ما قال في الأقصر: * قال أمين السياسات: حوارنا مع الأحزاب مستمر. مضيفا: لكن هناك قواعد.. نسمع كل الآراء.. لكن الأولوية للقواعد المعمول بها.. مثلا تعديل الدستور لا يمكن أن يتم بمقال.. ولكن هناك آليات قانونية لذلك. * ماذا نريد؟.. هل نريد ترسيخ الحياة الحزبية؟ الأساس في طرق الانتخابات المختلفة في كافة بلدان العالم الديمقراطية تقريبا هو أنها تعتمد علي الأحزاب.. فالمستقل ليس له تواجد يساوي تواجد الحزبي.. وإذا أراد المستقل أن يحصل علي فرصة فلابد أن يثبت أنه يمتلك القدرة. * ضخ الشباب في شرايين الأحزاب لابد ألا يكون هدفا للحزب الوطني وحده.. وإنما لكل الأحزاب. * في الانتخابات لا يمكن الاعتماد علي الرؤية النظرية.. كل دائرة لها ظروفها.. والعمل الحزبي يقتضي الانتباه إلي تأثيرات القبائل والعشائر والعائلات. هذه الملامح في معناها الشامل، إذا ما وضعت إلي جانب حديث سابق أشرت إليه بالأمس عن التطوير الذي قاده الحزب الوطني، يعني أن أمين السياسات إنما يستهدف في أولوياته الحياة الحزبية وبلورة أهدافها.. وتنمية قدراتها.. وترسيخ وجودها وتأثيرها.. وبالتالي تجسيد معاني التعديلات الدستورية.. ونتيجة لذلك قدرة الأحزاب علي أن تجتذب الشباب. من جانبي أجد هذا كلاماً طيباً للغاية.. وهو يمثل تعضيدا لكل معادلات النظام.. الأحزاب هي جزء من النظام.. عناصر فيه.. تأسست بموجب قانونه.. وتعمل في إطار هذا القانون.. لكن الأحزاب تواجه التحديات التالية التي تنقلنا إلي المجموعة الثانية من الملاحظات: * إنها لم تصد هجوم قوي الفوضي والسياسيين غير المنظمين.. الذين تمكنوا -لاشك في ذلك- من اجتذاب قطاعات من الشباب خلف شعارات إثارية.. ولم تبذل الأحزاب جهدا مخلصا لكي تدافع عن وجودها.. ولكي تنير البصيرة للشباب.. فتركت الكثير منهم نهبا للفوضوية. * إن عدداً من تلك الأحزاب في إطار نكايتها لحزب الأغلبية إنما تلجأ أحيانا إلي التواصل السياسي مع قوي غير منظمة... والذهاب إلي أرضيات علي أجندتها.. ومن ثم فإن الأحزاب تفقد مصداقيتها بقدر ما تمنح تلك القوي مصداقية ليست لها وهو ما يخصم في المحصلة الأخيرة من الأحزاب. * إن هذه الأحزاب تحتاج إلي قدر من الإبداع السياسي المتميز والقادر علي أن يحدث توهجا يؤدي إلي حراك داخلي فيها.. وكشفها عن طاقاتها وكوادرها.. وامكانياتها. * إن الأحزاب المذكورة تعاني من نتائج مواقف سابقة لجأت إليها بالابتعاد عن ساحات التنافس الانتخابي في بعض المناسبات.. فأدي إلي خسران مواقع كان يمكن أن تكون عندها الآن.. حتي لو أدي خوض التنافس الانتخابي إلي عدم الفوز به. فالتواجد له قيمته والانعزال له ثمنه. * من بين علامات الانسحاب المؤثر أن تلك الأحزاب لم تعلن مواقفها في أحداث متتالية.. اجتماعية وسياسية وآثرت الصمت.. والصمت له تأثيره علي الرأي العام بالتأكيد. * إن هذه الأحزاب عانت وتعاني من تفتيت داخلي.. لابد لها أن تسعي إلي تضميده والحفاظ علي القدر المطلوب سياسياً وتنظيمياً من التماسك.. حتي لا تتحول إلي شذرات متناثرة تحت لافتة واحدة فتضيع أي جهود سدي. ونكمل غداً.. [email protected] www.abkamal.net