عادة ما يكون المهاجرون المصريون إلي الخارج أوفر حظا عند العودة إلي قراهم ومدنهم من غيرهم فهم قادرون أكثر من غيرهم علي بدء مشروعات تجارية مستفيدين بمهاراتهم ومدخراتهم التي اكتسبوها خلال سنوات عملهم أو سنوات الشقاء في دول الخليج أو أوروبا اذا ما سمحت ظروف الاستثمار في بلادهم.. وكأنهم في صراع من أجل البقاء يقاتلون ويكابدون متاعب الحياة خاصة وان هاجروا بطرق غير شرعية لكي يعودوا للاستقرار في وطنهم الذي ضن عليهم بفرص العيش الكريم. خبرة الهجرة تزيد احتمالية نجاح وبقاء المشروعات التجارية للمصريين في وطنهم بنسبة 16% أي أن خبرة الهجرة تؤدي إلي خفض نسبة الفشل.. هذه هي النتيجة التي توصلت اليها الباحثة الايطالية فرانشيسكا مارشيتا بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا التي تقوم حاليا بعمل دراسة عن الهجرة العائدة في مصر بعنوان "ولدوا لكي يحيوا؟ الهجرة العائدة وبقاء مشروعات المصريين؟". الدراسة لم تكتمل بعد وينتظر أن تصدر في الصيف القادم، الا أن الباحثة تعاني من نقص شديد في المعلومات حتي مع قدومها في زيارة خصيصا إلي مصر لمدة شهر استضافها خلالها مركز دراسات الهجرة واللاجئين بالجامعة الأمريكية من أجل جمع بيانات متعلقة بموضوع البحث. التساؤل الرئيسي الذي تجيب عنه الدراسة كما تقول الباحثة الايطالية ل"روزاليوسف" هو: هل تختلف المبادرات والمشروعات التجارية التي يديرها المصريون العائدون عن غيرها من حيث فرص البقاء والاستمرار والتطور والنمو، وذلك بمقارنة المشروعات الصغيرة التي يبدأها المهاجرون العائدون مع المشروعات الصغيرة الأخري للمصريين غير المهاجرين ولا شك أن المصريين الذين تعرضوا لخبرات الخارج استطاعوا أن ينقلوا معهم أفكارا وتكنولوجيا تفيد بلدهم عند عودتهم. ولما كانت ظاهرة الهجرة هي احدي أهم الظواهر في مصر خاصة أن الهجرة المؤقتة مهمة للحراك الاجتماعي في الريف المصري علي وجه التحديد، اذ تشير الأرقام إلي أن 5% من الأسر المصرية لديها شخص يعمل في الخارج فيما تساهم التحويلات المالية ب5% من اجمالي الناتج المحلي في مصر وفقا للأرقام الرسمية.. فانه من الغريب أن تكون مصادر المعلومات حول هذه الموضوعات شحيحة للغاية خاصة وأن أحدث الاحصائيات التي حصلت عليها لعام 2006 كانت من مؤسسة التدريب الأوروبية والمعنية أساسا بالهجرة إلي أوروبا وليس الهجرة المصرية للخارج بشكل عام وبالتالي فهي تغفل أهم مقصد يتوجه اليه المصريون وهو دول الخليج. تعرض الدراسة لأبرز خصائص الهجرة المصرية التي تتمثل في الوجهة الرئيسية التي يقصدها المصريون وهي الدول العربية في الأساس الا أن ذلك لا يمنعهم من الاحتفاظ بروابط قوية مع وطنهم خاصة وأن هجرتهم غالبا ما تكون مؤقتة اذ تشير الاحصائيات إلي أن 7% من الأسر لديها مهاجر عائد وأن 48% من المهاجرين الحاليين هاجروا للخارج في الثلاث سنوات الأخيرة، موضحة أن نسبة الهجرة للخارج زادت في الفترة من (1998-2006) بسبب حالة الركود الاقتصادي. وتبين الأرقام أن نسبة الهجرة للخارج من الحضر المصري كانت هي الغالبة في الفترة من (1974-1985) مع ارتفاع أسعار النفط بعد حرب 73، لكن الوضع تغير بعد ذلك اذ زادت نسبة الهجرة من الريف المصري بشكل كبير لتتجاوز نسبة الهجرة من الحضر حتي عام 1988 ويظل الريف في حالة تنافس مع الحضر حتي عام 1998 تارة يتفوق عليه وتارة يتراجع أمامه فتظل الفوارق ضئيلة حتي ثبت الريف أقدامه في عام 2006 وحظي بنسبة 57% من المهاجرين المصريين مقابل 43% للحضر. وتشير الدراسة إلي التأثر السلبي الذي حدث لسوق العمالة في مصر في بداية التسعينيات بسبب حرب الخليج الأولي عندما اضطر المهاجرون المصريون للرحيل عن الدول المضيفة الكبري مثل العراق والأردن والكويت والسعودية، لافتة إلي أن 7% من قوة العمل المصرية أي 1. 2 مليون مصري عاد إلي بلده في الفترة من (1974-1988) وهي تدخل في فترة التوترات بين مصر والدول العربية. وتقول مسودة الدراسة أن 49% من المهاجرين العائدين يعملون في وظائف تقنية وعلمية وادارية وهم في المتوسط أكثر تعليما من المصريين الذين لم يهاجروا إلي الخارج الذين يعمل 26% منهم في المجال التقني والعلمي والاداري، الا أن هناك فارقا كبيرا بين فترة التسعينيات والألفية الجديدة في وضع وأحلام المهاجرين العائدين فوفق دراسة نشرت عام 1993 فان المهاجرين العائدين كانوا يحلمون باقامة مشروع صغير، بينما تقول دراسة أجريت عام 2009 أن العائدين يشعرون بالخوف من الاستثمار. لكن ما هي مميزات المشروعات الاستثمارية التي يقيمها المهاجرون العائدون؟ الدراسات السابقة التي تعتمد عليها الباحثة الايطالية رغم محدوديتها توضح أن غالبية هذه المشروعات تتركز في القاهرة الكبري وهي تتعلق بالجانب الخدمي اذ إن 45% من المهاجرين العائدين يتم توظيفهم في أعمال خاصة بعيدة عن قطاع الزراعة الذي يعمل به المصريون الذين لم يهاجروا، وتمتاز بكبر حجم رأس المال المستثمر فيها وتوفر فرص عمل أفضل اذ إن 95% من هذه المشروعات لا تضم أكثر من 4 موظفين. وتضيف الدراسة أن 21% من المهاجرين العائدين هم أصحاب مشروعات تجارية وأن 13% منهم أصحاب أعمال حرة مقارنة ب12% و10% علي التوالي بالنسبة للمصريين غير المهاجرين. "من المهم أن تعرفوا ماذا يعمل هؤلاء الشباب العائدين من الخارج حاملين تجارب هجرة مؤقتة ومكتسبين مهارات ومدخرات وما هي الوظائف التي يشغلونها".. كلمة أخيرة وجهتها الباحثة الايطالية للدوائر البحثية في مصر قبل عودتها إلي فلورنسا لتكمل دراستها بما أوتيت من بيانات قليلة.